تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٩
المذكور في الآية بدعائه الشريف عليه الصلاة والسلام ولا يخلو جميع ما ذكر عن بحث، والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به صلى الله عليه وسلم ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لا يقبح عرفا اجتماعهم وسكناهم معه صلى الله عليه وسلم في بيت واحد ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء وعلي كرم الله تعالى وجهه مع ماله من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة والسلام فلم يفارقه وعامله كولده صغيرا وصاهره وآخاه كبيرا، والإرادة على معناها الحقيقي المستتبع للفعل، والآية لا تقوم دليلا على عصمة أهل بيته صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم الموجودين حين نزولها وغيرهم ولا على حفظهم من الذنوب على ما يقوله أهل السنة لا لاحتمال أن يكون المراد توجيه الأمر والنهي أو نحوه لاذهاب الرجس والتطهير بأن يجعل المفعول به * (ليريد) * محذوفا ويجعل * (ليذهب. ويطهر) * في موضع المفعول له وإن لم يكن فيه بأس وذهب إليه من ذهب بل لأن المعنى حسبما ينساق إليه الذهب ويقتضيه وقوع الجملة موقع التعليل للنهي والأمر نهاكم الله تعالى وأمركم لأنه عز وجل يريد بنهيكم وأمركم إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم وفي ذلك غاية المصلحة لكم ولا يريد بذلك امتحانكم وتكليفكم بلا منفعة تعود إليكم وهو على معنى الشرط أي يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهركم أن انتهيتم وائتمرتم ضرورة أن أسلوب الآية نحو أسلوب قول القائل لجماعة علم أنهم إذا شربوا الماء أذهب عنهم عطشهم لا محالة يريد الله سبحانه بالماء ليذهب عنكم العطش فإنه على معنى يريد سبحانه بالماء اذهاب العطش عنكم إن شربتوه فيكون المراد إذهاب العطش بشرط شرب المخاطبين الماء لا الإذهاب مطلقا. فمفاد التركيب في المثال تحقق إذهاب العطش بعد الشرب وفيما نحن فيه إذهاب الرجس والتطهير بعد الانتهاء والائتمار لأن المراد الإذهاب المذكور بشرطهما فهو متحقق الوقوع بعد محقق الشرط وتحققه غير معلوم إذ هو أمر اختياري وليس متعلق الإرادة، والمراد بالرجس الذنب وبإذهابه إزالة مباديه بتهذيب النفس وجعل قواها كالقوة الشهوانية والقوة الغضبية بحيث لا ينشأ عنها ما ينشأ من الذنوب كالزنا وقتل النفس التي حرم الله تعالى وغيرهما لا إزالة نفس الذنب بعد تحققه في الخارج وصدوره من الشخص إذ هو غير معقول إلا على معنى محوه من صحائف الأعمال وعدم المؤاخذة عليه وإرادة ذلك كما ترى.
وكأن مآل الإذهاب التخلية ومآل التطهير التحلية بالحاء المهملة، والآية متضمنة الوعد منه عز وجل لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم ان ينتهوا عما ينهى عنه ويأتمروا بما يأمرهم به بذهب عنهم لا محال مبادي ما يستهجن ويحليهم أجل تحلية بما يستحسن، وفيه إيماء إلى قبول أعمالهم وترتب الآثار الجملية عليها قطعا ويكون هذا خصوصية لهم ومزية على من عداهم من حيث أن أولئك الأغيار إذا انتهوا وائتمروا لا يقطع لهم بحصول ذلك.
ولذا نجد عباد أهل البيت أتم حالا من سائر العباد المشاركين لهم في العبادة الظاهرة وأحسن اخلاقا وأزكى نفسا وإليهم تنتهي سلاسل الطرائق التي مبناها كما لا يخفى على سالكيها التخلية والتحلية اللتان هما جناحان للطيران إلى حظائر القدس والوقوف على أوكار الإنس حتى ذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر لا يكون إلا منهم خلافا للأستاذ أبي العباس المرسي حيث ذهب كما نقل عنه تلميذه التاج بن عطاء الله إلى أنه قد يكون من غيرهم، ورأيت في مكتوبات الإمام الفاروقي الرباني مجدد الألف الثاني قدس سره ما حاصله أن القطبية لم تكن على سبيل الإصال إلا لأئمة أهل البيت المشهورين ثم إنها صارت بعدهم لغيرهم على سبيل النيابة عنهم حتى انتهت النوبة إلى السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره النوراني فنال مرتبة القطبية
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»