تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٣٦
وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة نعبد.
* (في السموات ولا في الأرض) * أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها * (وما لهم) * أي لآلهتهم * (فيهما من شرك) * أي شركة ما لا خلفا ولا ملكا ولا تصرفا * (وما له) * أي لله عز وجل * (منهم) * أي من آلهتهم * (من ظهير) * أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما.
* (ولا تنفع الشف‍اعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) *.
* (ولا تنفع الشفاعة عنده) * أي لا توجد رأسا كما في قوله: على لا حب لا يهتدي بمناره لقوله تعالى: * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * (البقرة: 552) وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: * (إلا لمن أذن له) * استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره الزمخشري، و * (من) * عبارة عن الشافع واللام الداخلة عليه للاختصاص مثلها في الكرم لزيد ولام * (له) * صلة أذن، والمراد نفي شفاعة آلهتهم لهم لكن ذكر ذلك على وجه عام ليكون طريقا برهانيا أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال أو كائنة لمن كانت إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة، ومن البين أنهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للكفار فقد قال الله تعالى: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) * (النبأ: 38) والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية أو * (من) * عبارة عن المشفوع له واللام الداخلة عليه للتعليل ولام * (له) * صلة * (أذن) * أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن له أي لشفيعه على الإضمار لأن المشفوع لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه أن يشفعه، واختار الزمخشري أن لام * (له) * للتعليل أي إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، ووجهه على ما في " الكشف " حصول الإشارة إلى الشافع والمشفوع لأن المأذون لأجله المشفوع والمأذون الشافع ولأن الغرض بيان محل النفع وهو المشفوع كان التصريح بذكره أهم، ولا يخفى أن الوجه السابق ظاهر التكلف فيه الإضمار الذي لا يقتضيه المقام، وحاصل المعنى على هذا لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها إلا كائنة لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا وإن فرض وقوعها من الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم، ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص وعن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها بالكلية أولى، وذهب أبو حيان إلى أن الاستثناء من أعم الذوات أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن الخ، واستظهر احتمال أن تكون من عبارة عن المشفوع له واللام نظرا إلى الظاهر متعلقة بالشفاعة، وجوز أبو البقاء تعلقها بتنفع. وتعقبه بأنه لا يتعدى إلا بنفسه وقال أبو حيان فيه: إن المفعول متأخر فدخول اللام قليل. وقرأ أبو عمرو. وحمزة. والكسائي * (أذن) * مبنيا للمفعول فله قائم مقام
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»