نعم الآخرة، وكأنه أراد لتأكيد الاختصاص أو بني الأمر على أن الاختصاص المستفاد من اللام بمعنى الملابسة التامة لا الحصر كما فصله الفاضل اليمني، وأما أنه أراد لاختصاص الاختصاص فكما ترى، ويرد على قوله: ولا كذلك نعم الآخرة * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * (الإسراء: 79) فتأمل * (وهو الحكيم) * الذي أحكم أمر الدارين ودبره حسبما تقتضيه الحكمة * (الخبير) * العالم ببواطن الأشياء ومكنوناتها ويلزم من ذلك علمه تعالى بغيرها، وعمم بعضهم من أول الأمر وما ذكر مبني على ما قاله بعض أهل اللغة من أن الخبرة تختص بالبواطن لأنها من خبر الأرض إذا شقها، وفي هذه الفاصلة إيذان بأنه تعالى كما يستحق الحمد لأنه سبحانه منعم يستحقه لأنه جل شأنه منعوت بالكمال الاختياري وتكميل معنى كونه تعالى منعما أيضا بأنه على وجه الحكمة والصواب وعن علم بموضع الاستحقاق والاستيجاب لا كمن يطلق عليه أنه منعم مجازا، وقوله تعالى:
* (يعلم ما يلج فى الارض وما يخرج منها وما ينزل من السمآء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور) *.
* (يعلم ما يلج في الأرض) * الخ استئناف لتفصيل بعض ما يحيط به علمه تعالى من الأمور التي نيطت بها مصالحهم الدينية والدنيوية، وجوز أن يكون تفسيرا لخبير، وأن يكون حالا من ضميره تعالى في * (له ما في السموات) * فيكون * (له الحمد في الآخرة) * اعتراضا بين الحال وصاحبها أي يعلم سبحانه ما يدخل في الأرض من المطر * (وما يخرج منها) * من النبات قاله السدي.
وقال الكلبي: ما يدخل فيها من الأموات وما يخرج منها من جواهر المعادن، والأولى التعميم في الموصولين فيشملان كل ما يلج في الأرض ولو بالوضع فيها وكل ما يخرج منها حتى الحيوان فإنه كله مخلوق من التراب.
* (وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) * أي من الملائكة قاله السدي. والكلبي، والأولى التعميم فيشمل * (ما ينزل) * المطر والثلج والبرد والصاعقة والمقادير ونحوها أيضا * (وما يعرج) * الأبخرة الأدخنة وأعمال العباد وأدعيتهم ونحوها أيضا، ويراد بالسماء جهة العلو مطلقا ولعل ترتيب المتعاطفات كما سمعت إفادة للترقي في المدح، وضمن العروج معنى السير أو الاستقرار على ما قيل فلذا عدى بفي دون إلى، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار التضمين والمراد بما يعرج فيها ما يعرج في ثخن السماء ويعلم من العلم بذلك العلم بما يعرج إليها من باب أولى فتدبر، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي * (ينزل) * بضم الياء وفتح النون وشد الزاي أي الله كذا في " البحر ".
وفي " الكشاف " عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ * (ننزل) * بالتشديد ونون العظمة * (وهو) * مع كثرة نعمته وسبوغ فضله * (الرحيم الغفور) * للمفرطين في أداء مواجب شكرها فهذا التذنيب مع كونه مقررا للخبرة مفصل لما أجمل في قوله سبحانه: * (له ما في السموات وما في الأرض) * يعرف منه كيف كان كله نعمة وكالتبصر لأنواع النعم الكلية فكل منه ومن التذنيب السابق في موضعه اللاحق فلا تتوهم أن العكس أنسب.
* (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتابمبين) *.
* (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) * أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط وبنفي إتيانها نفي وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحقيقها في نفس الأمر، وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها، وقيل: لأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما أجزاء الزمان لا يكون إلا بالإتيان والحضور، وقيل: هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية كقولهم: * (متى هذا الوعد) *؟