وفي " غرة التنزيل " للراغب ما يؤيده، وقد لخصه الطيبي في " شرح الكشاف "، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه:
* (قل لا يعلم من فى السماوات والارض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون) * * (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) * بعد ما تحقق تفرده تعالى بالألوهية ببيان اختصاصه بالقدرة الكاملة التامة والرحمة الشاملة العامة عقب بذكر ما لا ينفك عنه، وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب تكميلا لما قبله وتمهيدا لما بعده من أمر البعث، وفي " البحر " قيل: سأل الكفار عن وقت القيامة - التي وعدوها - الرسول صلى الله عليه وسلم وألحوا عليه عليه الصلاة والسلام فنزل قوله: * (قل لا يعلم) * الآية، فمناسبتها على هذا لما قبلها من قوله تعالى: * (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده) * (النمل: 64) أتم مناسبة، والظاهر المتبادر إلى الذهن أن من فاعل يعلم وهو موصول أو موصوف، والغيب مفعوله، والاسم الجليل مرفوع على البدلية من * (من) * والاستثناء على ما قيل: منقطع تحقيقا متصل تأويلا على حد ما في قول الراجز: وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس بناءا على إدخال اليعافر في الأنيس بضرب من التأويل فيفيد المبالغة في نفي علم الغيب عمن في السموات والأرض بتعليق علمهم إياه بما هو بين الاستحالة من كونه تعالى منهم كأنه قيل: إن كان الله تعالى ممن فيهما ففيهم من يعلم الغيب يعني أن استحالة علمهم الغيب كاستحالة أن يكون الله تعالى منهم، ونظير هذا مما لا استثناء فيه قوله: تحية بينهم ضرب وجيع وقيل: هو منقطع على حد الاستثناء في قوله: عشية ما تغني الرماح مكانها * ولا النبل إلا المشرفي المصمم يعني أنه من اتباع أحد المتباينين الآخر نحو ما أتاني زيد إلا عمرو. وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه، وقد ذكرهما سيبويه، وذكر ابن مالك أن الأصل فيهما: ما أتاني أحد إلا عمرو، وما أعانه أحد إلا إخوانه فجعل مكان أحد بعض مدلوله وهو زيد وإخوانكم، ولو لم يذكر الدخلاء فيمن نفى عنه الإتيان والإعانة، ولكن ذكرا توكيدا لقسطهما من النفي دفعا لتوهم المخاطب أن المتكلم لم يخطر له هذا الذي أكد به، فذكر تأكيدا، وعليه يكون الأصل في الآية لا يعلم أحد الغيب إلا الله فحذف أحد وجعل مكانه بعض مدلوله وهو من في السموات والأرض، والبعض الآخر من ليس فيهما، ويكفي في كونه مدلولا له صدقه عليه ولا يجب في ذلك وجوده في الخارج، فقد صرحوا أن من الكلي ما يمتنع وجود بعض أفراده أو كلها في الخارج على أن من أجلة الإسلاميين من قال بوجود شيء غير الله عز وجل، وليس في السموات ولا في الأرض وهو الروح الأمرية فإنها لا مكان لها عندهم على نحو العقول المجردة عند الفلاسفة، وقال: إن شرط الاتباع في هذا النوع أن يستقيم حذف المستثنى منه والاستغناء عنه بالمستثنى فإن لم يوجد هذا الشرط تعين النصب عند التميم. والحجازي كما في قوله تعالى: * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * (هود: 43) فإن الاستغناء فيه بالمستثنى عما قبله ممتنع إلا بتكلف، وزعم المازني أن اتباع المنقطع من تغليب العاقل على غيره، ويلزم عليه أن يختص بأحد وشبهه وهو فاسد - كما قال ابن خروف - لأن ما يبدل منه في هذا الباب غير ما ذكر أكثر من أن يحصى اه.
وكلام الزمخشري يوم صدره أن الاستثناء هنا من قبيل الاستثناء في المثالين اللذين ذكرهما سيبويه، وفي البيت الذي ذكرناه قبيلهما، ويفهم عجزه أنه من قبيل الاستثناء في الرجز السابق، وأن الداعي إلى اختيار المذهب التميمي نكتة المبالغة التي سمعتها، وقد صرحوا أن إفادة تلك النكتة إنما يتأتى إذا جعل الاستثناء منقطعا تحقيقا متصلا تأويلا، ولعل الحق أنه إذا أريد الدلالة على قوة النفي تعين جعل الاستثناء نحو الاستثناء في قوله: * (وبلدة) *