* (وما يشعرون أيان يبعثون) * أي متى ينشرون من القبور مع كونه مما لا بد لهم منه، ومن أهم الأمور عندهم - فأيان - اسم استفهام عن الزمان، ولذا قيل: إن أصلها أي آن أي أي زمان، وإن كان المعروف خلافه وهي معمولة ليبعثون، والجملة في موضع النصب - بيشعرون - وعلقت * (يشعرون) * لمكان الاستفهام، وضمير الجمع للكفرة وإن كان عدم الشعور بما ذكر عاما لئلا يلزم التفكيك بينه وبين ما يذكر بعد من الضمائر الخاصة بهم قطعا، وقيل: الكل لمن وإسناد خواص الكفرة إلى الجميع من قبيل بنو فلان فعلوا كذا والفاعل بعض منهم، وفيه بحث.
وقرأ السلمي - إيان - بكسر الهمزة وهي لغة بني سليم.
* (بل ادارك علمهم فى الاخرة بل هم فى شك منها بل هم منها عمون) * * (بل ادارك علمهم في الآخرة) * إضراب عما تقدم على وجه يفيد تأكيده وتقريره، وأصل * (ادارك) * تدارك فأدغمت التاء في الدار فسكنت فاجتلبت همزة الوصل وهو من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك وهو مراد من فسر التدارك هنا بالاضمحلال والفناء، وإلا فأصل التدارك التتابع والتلاحق مطلقا، * (وفي الآخرة) * متعلق - بعلمهم - والعلم يتعدى بفي كما يتعدى بالباء، وهي حينئذ بمعنى الباء كما نص عليه الفراء. وابن عطية. وغيرهما، والمعنى بل تتابع علمهم في شأن الآخرة التي ما ذكر من البعث حال من أحوالها حتى انقطع وفنى ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا مع توفر أسبابه فهو ترق عن وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش، وليس تدارك علمهم بذلك على معنى أنه كان لهم علم به على الحقيقة فانتفى شيئا فشيئا، بل على طريقة المجاز بتنزيل أسباب العلم ومباديه من الدلائل العقلية والسمعية منزلة نفسه، وإجراء تساقطها عن درجة اعتبارهم كلما لاحظوها مجرى تتابعها إلى الانقطاع.
وجوز أن يكون الكلام على تقدير مضاف أي - ادارك - أسباب علمهم، والتدارك مجاز عما ذكر من التساقط، وقوله تعالى: * (بل هم في شك منها) * إضراب وانتقال عن عدم علمهم بها إلى ما هو أفحش منه على نحو ما مر وهو حيرتهم في ذلك أي بل هم في شك عظيم من نفس الآخرة وتحققها كمن تحير في أمر لا يجد عليه دليلا فضلا عن الأمور التي ستقع فيها، وقوله سبحانه: * (بل هم منها عمون) * إضراب وانتقال عن وصفهم بكونهم شاكين إلى وصفهم بما هو أفظع منه وهو كونهم عميا قد اختلت بصائرهم بالكلية بحيث لا يكادون يدركون طريق العلم بها وهو الدلائل الدالة على أنها كائنة لا محالة، فالمراد * (عمون) * عن دلائلها أو عمون عن كل ما يوصلهم إلى الحق ويدخل فيه دلائلها دخولا أوليا، و * (منها) * متعلق - بعمون - قدم عليه رعاية للفواصل، ولعل تعديته بمن دون عن لجعل الآخرة بمدأ عما هم ومنشأه، والكفر بالعاقبة والجزاء يدع الشخص عاكفا على تحصيل مصالح بطنه وفرجه لا يتدبر ولا يتبصر فيما عدا ذلك.
وجوز أن يكون * (ادارك) * بمعنى استحكم وتكامل ووصفهم باستحاكم علمهم بذلك وتكامله من باب التهكم بهم كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك على سبيل الهزء، ومآل التهكم المذكور نفي علمهم بذلك كما في الوجه السابق لكن على الوجه الأبلغ، والإضرابان من باب الترقي من الوصف بالفظيع إلى الوصف بالأفظع نحو ما تقدم وهو وجه حسن، ويشعر كلام بعض المحققين بترجيحه على ما ذكرنا أولا.
وجوز أيضا أن يكون المراد - بالادراك - الاستحكام لكن على معنى استحكم أسباب علمهم بأن القيامة كائنة لا محالة من الآيات القاطعة والحجج الساطعة وتمكنوا من المعرفة فضل تمكن وهم جاهلون في ذلك، وفيه