وأنت تعلم أنه بعيد غاية البعد، ولعل الأولى الحمل على الجنس والتقييد بالمشيئة وهو سبحان لايشاء إلا ما تقتضيه الحكمة، والدعاء بشيء من قبيل أحد الأسباب العادية له فافهم * (ويكشف السوء) * أي يرفع عن الإنسان ما يعتريه من الأمر الذي يسوؤه، وقيل: الكشف أعم من الدفع والرفع، وعطف هذه الجملة على ما قبلها من قبيل عطف العالم على الخاص، وقيل: المعنى ويكشف سوءه أي المضطر، أو ويكشف عنه السوء والعطف من قيل عطف التفسير فإن إجابة المضطر هي كشف السوء عنه الذي صار مضطرا بسببه وهو كما ترى.
* (ويجعلكم خلفاء الأرض) * أي خلفاء من قبلكم من الأمم في الأرض بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها بعدهم، وقيل: المراد بالخلافة الملك والتسلط، وقرأ الحسن. ونجعلكم. بنون العظمة * (ءإلاه مع الله) * الذي هذه شؤونه ونعمه تعالى: * (قليلا ما تذكرون) * أي تذكرا قليلا، أو زمانا قليلا تتذكرون - فقليلا - نصب على المصدرية، أو على الظرفية لأنه صفة مصدر أو ظرف مقدر، و - ما - مزيدة على التقديرين لتأكيد معنى القلة التي أريد بها العدم، أو ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى، ومفعول * (تذكرون) * محذوف للفاصلة، فقيل: التقدير تذكرون نعمه، وقيل: تذكرون مضمون ما ذكر من الكلام، وقيل: تذكرون ما مر لكم من البلاء والسرور، ولعل الأولى نعمه المذكورة، وللإيذان بأن المتذكر في غاية الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه كان التذييل بنفي التذكر، وقرأ الحسن. والأعمش. وأبو عمرو - يذكرون - بياء الغيبة، وقرأ أبو حيوة - تتذكرون - بتاءين.
* (أمن يهديكم فى ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدى رحمته أءلاه مع الله تعالى الله عما يشركون) * * (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) * أي يرشدكم في ظلمات الليالي في البر والبحر وبالنجوم ونحوها من العلامات، وإضافة الظلمات إلى البر والبحر للملابسة وكونها فيهما، وجوز أن يراد بالظلمات الطرق المشبهات مجازا فإنها كالظلمات في إيجاب الحيرة.
* (ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * قد تقدم تفسير نظير هذه الجملة * (ءإلاه مع الله) * نفي لأن يكون معه سبحانه إله آخر، وقوله تعالى: * (تعالى الله عما يشركون) * تقرير وتحقيق له، وإظهار الاسم الجليل في موضع الاضمار للاشعار بعلة الحكم أي تعالى وتنزه بذاته المنفردة بالألوهية المستتبعة لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال والجمال، المقتضية لكون جميع المخلوقات مقهورة تحت قدتره * (عما يشركون) * أي عن وجود ما يشركونه به سبحانه بعنوان كونه إلها وشريكا له تعالى، أو تعالى الله عن شركة أو مقارنة ما يشركونه به سبحانه، ويجوز أن تكون - ما - مصدرية أي تعالى الله عن إشراكهم، وقرىء * (عما تشركون) * بتاء الخطاب.
* (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السمآء والارض أءلاه مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * * (أمن يبدؤا الخلق) * أي يوجده مبتدئا له * (ثم يعيده) * يكرر إيجاده ويرجعه كما كان، وذلك بعد إهلاكه ضرورة أن الإعادة لا تعقل إلا بعده، والظاهر أن المراد بهذا ما يكون من الإعادة بالبعث بعد الموت، فأل في الخلق ليست للاستغراق لأن منه ما لا يعاد بالاجماع، ومنه ما في إعادته خلاف بين المسلمين، وتفصيله في محله.
واستشكل الحمل على الإعادة بالبعث بأن الكلام مع المشركين وأكثرهم منكرون لذلك فكيف يحمل الكلام عليه ويخاطبون به خطاب المعترف؟ وأجيب بأن تلك الإعادة لوضوح براهينها جعلوا كأنهم معترفون بها لتمكنهم من معرفتها فلم يبق لهم عذر في الإنكار؛ وقيل: إن منهم من اعترف بها، والكلام بالنسبة إليه وليس بذاك، وأما تجويز كون أل للجنس وأن المراد بالبدء والإعادة ما يشاهد في عالم الكون والفساد من