تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٦
الذي هو الشق أي جعل خلالها أنهارا جارية تنتفعون بها * (وجعل لها) * أي لصلاح أمرها * (رواسي) * أي جبالا ثوابت فإن لها مدخلا عاديا اقتضته الحكمة في انكشاف المسكون منها وانحفاظها عن الميد بأهلها؛ وتكون المياه الممدة للأنهار المفضية لنضارتها في حضيضها إلى غير ذلك، وذكر بعضهم في منفعة الجبال تكون المعادن فيها ونبع المنابع من حضيضها ولم يتعرض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان، وعلل ترك التعرض بأنه لو كان المقصود ذرك لذكر عقب جعل الأرض قرارا، ومن أنصف رأى أن منع الجبال الأرض عن الحركة والميلان اللذين يخرجان الأرض عن حيز الانتفاع ويجعلان وجودها كعدمها من أهم ما يذكر هنا لأنه مما به صلاح أمرها ورفعة شأنها، وذكر * (لها) * دون فيها أو عليها ظاهر في أن المراد ما هو من هذا القبيل من المنافع فتأمل.
وإرجاع ضمير * (لها) * للأنهار ليكون المعنى وجعل لامدادها رواسي ينبع من حضيضها الماء فيمدها لا يخفى ما فيه * (وجعل بين البحرين) * أي العذب والملح - عن الضحاك - أو بحري فارس والروح - عن الحسن - أو بحري العراق والشام - عن السدي - أبو بحري السماء والأرض - عن مجاهد - * (حاجزا) * فاصلا يمنع من الممازجة، وقد مر الكلام في تحقيق ذلك فتذكر * (ءإلا - ه مع الله) * في الوجود أو في إبداع هذه البدائع على ما مر * (بل أكثرهم لا يعلمون) * أي شيئا من الأشياء علما معتدا به وذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك مع كمال ظهوره * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم حلفآء الارض أءل‍اه مع الله قليلا ما تذكرون) *.
* (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * وهو الذي أحوجته شدة من الشدائد وألجأته إلى اللجاء والضراعة إلى الله عز وجل، فهو اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من الضرورة، ويرجع إلى هذا تفسير ابن عباس له بالمجهود، وتفسير السدي بالذي لا حول ولا قوة له، وقيل: المراد بذلك المذنبإذا استغفر، واللام فيه على ما قيل: للجنس لا للاستغراق حتى يلزم إجابة كل مضطر وكم من مضطر لإيجاب.
وجوز حمله على الاستغراق لكن الإجابة مقيدة بالمشيئة كما وقع ذلك في قوله تعالى: * (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) * (الأنعام: 41) ومع هذا كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الشخص: اللهم اغفر لي إن شئت؛ وقال عليه الصلاة والسلام: " إنه سبحانه لا مكره له "، والمعتزلة يقيدونها بالعلم بالمصلحة لإيجابهم رعاية المصالح عليه جل وعلا، وقال " صاحب الفرائد ": ما من مضطر دعا إلا أجيب وأعيد نفع دعائه إليه إما في الدنيا وإما في الآخرة، وذلك أن الدعاء طلب شيء فإن لم يعط ذلك الشيء بعينه يعط ما هو أجل منه أو إن لم يعط هذا الوقت يعط بعده اه‍. وظاهره حمله على الاستغراق من دون تقييد للإجابة، ولا يخفى أنه إذا فرت الإجابة بإعطاء السائل ما سأله حسبما سأل لا بقطع سؤاله سوا ءكان بالإعطاء المذكور أم بغيره لم يستقم ما ذكره، وقال العلامة الطيبي: التعريف للعهد لأن سياق الكلام في المشركين يدل عليه الخطاب بقوله تعالى: * (ويجعلكم خلفاء) * والمراد التنبيه على أنهم عند اضطرارهم فينوازل الدهر وخطوب الزمان كانوا يلجأون إلى الله تعالى دون الشركاء والأصنام، ويدل على التنبيه قوله تعالى: * (أإله مع الله قليلا ما تذكرون) * قال " صاحب المفتاح ": كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله تعالى دون أصنامهم، فالمعنى إذا حزبكم أمر أو قارعة من قوارع الدهر إلى أن تصيروا آيسين من الحياة من يحيبكم إلى كشفها ويجعلكم بعد ذلك تتصرفون في البلاد كالخلفاء * (أإله مع الله) * فلا يكون المضطر عاما ولا الدعاء فإنه مخصوص بمثل قضية الفلك، وقد أجيبوا إليه في قوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (يونس: 22) الآية اه‍.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»