إذا المرأ وافى الأربعين ولم يكن * له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى * وإن جر أسباب الحياة له العمر وفي قوله تعالى: * (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) * (الأحقاف: 15) ما يستأنس به لذلك. وقد مر طرف من الكلام في الأشد في سورة يوسف فتذكر ولا تغفل. ثم إن حاصل المعنى على ما قيل أخيرا: ولما قوي جسمه، واعتدل عقله * (آتيناه حكما) * أي نبوة على ما روي عن السدي أو علما هو من خواص النبوة على ما تأول به بعضهم كلامه * (وعلما) * بالدين والشريعة. وفي " الكشاف " العلم التوراة والحكم السنة وحكمة الأنبياء عليهم السلام سنتهم. قال الله تعالى: * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * (الأحزاب: 34) وقيل آتيناه سيرة الحكماء العلماء وسمتهم قبل البعث، فكاه عليه السلام لا يفعل فعلا يستجهل فيه اه، ورجح ما قيل بأنه أوفق لنظم القصة مما تقدم، لأن استنباءه عليه السلام بعد وكز القبطي، والهجرة إلى مدين، ورجوعه منها، وإيتاؤه التوراة كان بعد إغراق فرعون، فهو بعد الوكز بكثير وبأن قوله تعالى: * (وكذالك) * أي مثل ذلك الذي فعلناه بموسى وأمه عليهما السلام * (نجزي المحسنين) * على إحسانهم يأبى حمل ما تقدم على النبوة لأنها لا تكون جزاء على العمل، ومن ذهب إلى الأول جعل هذا بيانا إجماليا لإنجاز الوعد بجعله من المرسلين بعد رده لأمه، وما بعد تفصيل له، والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب، وكون ما فعل بموسى وأمه عليهما السلام جزاء على العمل باعتبار التغليب. وقد يقال: إن أصل النبوة وإن لم تكن جزاء على العمل إلا أن بعض مراتبها، وهو ما فيه مزيد قرب من الله تعالى يكون باعتبار مزيد القرب جزاء عليه ويرجع ذلك إلى أن مزيد القرب هو الجزاء وتفاوت الأنبياء عليهم السلام في القرب منه تعالى مما لا ينبغي أن يشك فيه، ورجح ما تقدم بكونه أوفق بقوله تعالى: * (ولتعلم أن وعد الله حق) * (القصص: 13) واستلزامه حصول النبوة لكل محسن ليس بشيء أصلا، ومن ذهب إلى أن هذا الإيتاء كان قبل الهجرة قال: يجوز أن يكون المعنى آتيناه رياسة بين قومه بني إسرائيل بأن جعلناه ممتازا فيما بينهم، يرجعون إليه في مهامهم، ويمتثلونه إذا أمرهم بشيء أو نهاهم عنه، وعلما ينتفع به وينفع به غيره، وذلك إما بمحض الإلهام، أو بتوفيقه لاستنباط دقائق وأسرار مما نقل إليه من كلمات آبائه الأنبياء عليهم السلام من بني إسرائيل ولا بدع في أن يكون عليه السلام عالما بما كان عليه آباؤه الأنبياء منهم وبما كانوا يتدينون به من الشرائع بواسطة الإلهام أو بسماع ما يفيده العلم من الأخبار، ولعل هذا أولى مما نقله في " الكشاف ". وفي الكلام على أواخر سورة البقرة ما تنفعك مراجعته فيراجع.
* (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هاذا من شيعته وهاذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هاذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين) * * (ودخل المدينة) * قال ابن عباس على ما في " البحر ": هي منف * (على حين غفلة من أهلها) * أي في وقت لا يعتاد دخولها، أو لا يتوقعونه فيه، وكان على ما روي عن الحبر وقت القائلة. وفي رواية أخرى عنه بين العشاء والعتمة. وذلك أن فرعون ركب يوما وسار إلى تلك المدينة فعلم موسى عليه السلام بركوبه فلحق ودخل المدينة في ذلك الوقت. وقال ابن إسحاق: هي مصر، كان موسى عليه السلام قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون، فاختفى وغاب، فدخلها متنكرا. وقال ابن زيد: كان فرعون قد أخرجه منها فغاب سنين فنسي فجاء ودخلها وأهلها في غفلة بنسيانهم له، وبعد عهدهم به. وقيل: دخل في يوم عيد