وجاعلوه من المرسلين، ومن جعل الفراغ من الهم والحزن وكيدودة الإبداء من الفرح بتبنيه عليه السلام الذي هو فرح مذموم جعل الإيمان بمعنى الوثوق كما في قولهم على ما حكى أبو زيد ما آمنت أن أجد صحابة أي ما وثقت وحقيقته صرت ذا أمن أي ذا سكون وطمأنينة، وقال المعنى لولا أن ربطنا على قلبها وسكنا قلقه الكائن من الابتهاج الفاسد لتكون من الواثقين بوعد الله تعالى المبتهجين بما يحق الابتهاج به.
* (وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) * * (وقالت لأخته) * مريم وقيل: كلثمة وقيل: كلثوم. والتعبير عنها بأخوته دون أن يقال لبنتها للتصريح بمدار المحبة الموجبة للامتثال بالأمر * (قصيه) * أي اتبعي أثره وتتبعي خبره، والظاهر أن هذا القول وقع منها بعد أن أصبح فؤادها فارغا فإن كانت لم تعرف مكانه إذ ذاك فظاهر وإن كانت قد عرفته فتتبع الخبر ليعرف هل قتلوه أم لا ولينكشف ما هو عليه من الحال * (فبصرت به) * أي أبصرته والفاء فصيحة أي فقصت أثره فبصرت، وقرأ قتادة - فبصرت - بفتح الصاد وعيسى بكسرها * (عن جنب) * أي عن بعد، وقيل: أي عن شوق إليه حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال هي لغة جذام يقولون جنبت إليك أي اشتقت، وقال الكرماني جنب صفة لموصوف محذوف أي عن مكان جنب أي بعيد وكأنه من الأضداد فإنه يكون بمعنى القريب أيضا كالجار الجنب، وقيل: أي عن جانب لأنها كانت تمشي على الشط، وقيل: النظر عن جنب أن تنظر إلى الشيء كأنك لا تريده.
وقرأ قتادة. والحسن. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنه، والأعرج عن جنب بفتح الجيم وسكون النون وعن قتادة أنه قرأ بفتحهما أيضا، وعن الحسن أنه قرىء بضم الجيم وإسكان النون، وقرأ النعمان بن سالم - عن جانب - والكل على ما قيل: بمعنى واحد، وفي البحر " الجنب والجانب والجنابة والجناب بمعنى * (وهم لا يشعرون) * أنها تقصه وتتعرف حاله أو أنها أخته.
* (وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) * * (وحرمنا عليه المراضع) * أي منعناه ذلك فالتحريم مجاز عن المنع فإن من حرم عليه شيء فقد منعه ولا يصح إرادة التحريم الشرعي لأن الصبي ليس من أهل التكليف ولا دليل على الخصوصية، والمراضع جمع مرضع بضم الميم وكسر الضاد وهي المرأة التي ترضع، وترك التاء إما لاختصاصه بالنساء أو لأنه بمعنى شخص مرضع؛ أو جمع مرضع بفتح الميم على أنه مصدر ميمي بمعنى الرضاع وجمع لتعدد مراته أو اسم مكان أي موضع الرضاع وهو الثدي * (من قبل) * أي من قبل قصها أو إبصارها أو وروده على من هو عنده، أو من قبل ذلك أي من أول أمره وظاهر صنيع أبي حيان اختياره * (فقالت هل أدلكم) * أي هل تريدون أن أدلكم * (على أهل بيت يكفلونه لكم) * أي يضمنونه ويقومون بتربيته لأجلكم، والفاء فصيحة أي فدخلت عليهم فقالت، وقولها: على أهل بيت دون امرأة إشارة إلى أن المراد امرأة من أهل الشرف تليق بخدمة الملوك * (وهم له ناصحون) * لا يقصرون في خدمته وتربيته، وروي أن هامان لما سمع هذا منها قال إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فخلصت بذلك من الشر الذي يجوز لمثله الكذب وأحسنت وليس ببدع لأنها من بيت النبوة فحقيق بها ذلك. واحتمال الضمير لأمرين مما لا تختص به اللغة العربية بل يكون في جميع اللغات على أن الفراعنة من بقايا العمالقة وكانوا يتكلمون بالعربية فلعلها كلمت بلسانهم ويسمى هذا الأسلوب من الكلام الموجه.
* (فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولاكن أكثرهم لا يعلمون) * * (فرددناه إلى أمه) * الفاء فصيحة أي فقبلوا ذلك منها ودلتهم على أمه وكلموها في إرضاعه فقبلت فرددناه