إليها أو يقدر نحو ذلك، وروي أن أخته لما قالت ما قالت أمرها فرعون بأن تأتي بمن يكفله فأتت بأمه وموسى عليه السلام على يد فرعون يبكي وهو يعلله فدفعه إليها فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال: من أنت منه؟ فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت إني امرأة طيبة اللبن لا أوتي بصبي إلا قبلني فقرره في يدها فرجعت به إلى بيتها من يومها وأمر أن يجري عليها النفقة وليس أخذها ذلك من أخذ الأجرة على إرضاعها إياه ولو سلم فلا نسلم أنه كان حراما فيما تدين وكانت النفقة على ما في " البحر " دينارا في كل يوم * (كي تقر عينها) * بوصول ولدها إليها * (ولا تحزن) * لفراقه * (ولتعلم أن وعد الله) * أي جميع ما وعده سبحانه من رده وجعله من المرسلين * (حق) * لا خلف فيه بمشاهدة بعضه وقياس بعضه عليه وإلا فعلمها بحقية ذلك بالوحي حاصل قبل.
واستدل أبو حيان بالآية على ضعف قول من ذهب إلى أن الإيحاء كان إلهاما أو مناما لأن ذلك يبعد أن يقال فيه وعد، وفيه نظر * (ولاكن أكثرهم لا يعلمون) * أي لا يعرفون وعده تعالى ولا حقيته أو لا يجزمون بما وعدهم جل وعلا لتجويزهم تخلفه وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، وقيل: لا يعلمون أن الغرض الأصلي من الرد عليها علمها بذلك وما سواه من قرة عينها وذهاب حزنها تبع، وفيه أن الذي يفيده الكلام إنما هو كون كل من قرة العين والعلم كالغرض أو غرضا مستقلا، وأما تبعية غير العلم له لا سيما مع تقدم الغير فلا، وكون المفيد لذلك حذف حرف العلة من الأول لا يخفى حاله، وفي قوله تعالى: * (ولكن أكثر الناس) * (الأعراف: 187) الخ قيل: تعريض بما فرط من أمه حين سمعت بوقوعه في يد فرعون من الخوف والحيرة وأنت تعلم أن ما عراها كان من مقتضيات الجبلة البشرية وهو يجامع العلم بعدم وقوع ما يخاف منه، ونفي العلم في مثل ذلك إنما يكون بضرب من التأويل كما لا يخفى. ثم إن الاستدراك على ما اختاره مما وقع بعد العلم، وجوز أن يكون من نفس العلم وذلك إذا كان المعنى لا يعلمون أن الغرض الأصلي من الرد عليها علمها بحقية وعد الله تعالى فتأمل.
* (ولما بلغ أشده واستوى ءاتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين) * * (ولما بلغ أشده) * أي المبلغ الذي لا يزيد عليه نشؤه، وقوله تعالى: * (واستوى) * أي كمل وتم تأكيد وتفسير لما قبله كذا قيل: واختلف في زمان بلوغ الأشد والاستواء فأخرج ابن أبي الدنيا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال الأشد ما بين الثماني عشرة إلى الثلاثين والاستواء ما بين الثلاثين إلى الأربعين فإذا زاد على الأربعين أخذ في النقصان، وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال الأشد ثلاث وثلاثون سنة والاستواء أربعون سنة وهي رواية عن ابن عباس أيضا وروي نحوه عن قتادة وقال الزجاج مرة بلوغ الأشد من نحو سبع عشرة سنة إلى الأربعين وأخرى هو ما بين الثلاثين إلى الأربعين واختاره بعضهم هنا وعلل بأن ذلك لموافقته لقوله تعالى: * (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) * (الأحقاف: 15) لأنه يشعر بأنه منته إلى الأربعين وهي سن الوقوف فينبغي أن يكون مبدؤه مبدأه ولا يخلو عن شيء والحق أن بلوغ الأشد في الأصل هو الانتهاء إلى حد القوة وذلك وقت انتهاء النمو وغايته وهذا مما يختلف باختلاف الأقاليم والأعصار والأحوال ولذا وقع له تفاسير في كتب اللغة والتفسير، ولعل الأولى على ما قيل: أن يقال إن بلوغ الأشد عبارة عن بلوغ القدر الذي يتقوى فيه بدنه وقواه الجسمانية وينتهي فيه نموه المعتد به والاستواء اعتدال عقله وكماله ولا ينبغي تعيين وقت لذلك في حق موسى عليه السلام إلا بخبر يعول عليه لما سمعت من أن ذاك مما يختلف باختلاف الأقاليم والأعصار والأحوال نعم اشتهر أن ذلك في الأغلب يكون في سن أربعين وعليه قول الشاعر: