أبكاني البين حتى * رأيت غسلي بعيني وقيل: المراد رؤية وقت ذلك، وليس بذاك، والأمر على تقدير كونها بمعنى المعرفة فظاهر. لأنهم قد عرفوا ذهاب ملكهم وهلاكهم، لما شاهدوه من ظهور أولئك المستضعفين عليهم، وطلوع طلائعه من طرق خذلانهم. وفسر بعضهم الموصول بظهور موسى عليه السلام، وهو خلاف الظاهر المؤيد بالآثار وكأن ذلك منه لخفاء وجه تعلق رؤية فرعون ومن معه بذهاب ملكهم وهلكهم عليه وقد علمت وجهه، وقرأ عبد الله. وحمزة. والكسائي - ويرى - بالياء مضارع رأى، وفرعون بالرفع على الفاعلية، وكذا ما عطف عليه.
* (وأوحينآ إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنىإنا رآدوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * * (وأوحينا إلى أم موسى) * قيل هي محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل يوخابذ وقيل يارخا وقيل يارخت، وقيل غير ذلك. والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك، ولا ينافي حكاية أبي حيان الإجماع على عدم نبوتها، لما أن الملائكة عليهم السلام قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم، وإلى هذا ذهب قطرب وجماعة. وقال مقاتل منهم: إن الملك المرسل إليها هو جبريل عليه السلام. وعن ابن عباس. وقتادة أنه كان إلهاما، ولا يأباه قوله تعالى: * (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * (القصص: 7) نعم هو أوفق بالأول. وقال قوم: إنه كان رؤيا منام صادقة قص فيها أمره عليه السلام، وأوقع الله تعالى في قلبها اليقين. وحكى عن الجبائي أنها رأيت في ذلك رؤيا، فقصتها على من تثق به من علماء بني إسرائيل فعبرها لها. وقيل كان بأخبار نبي في عصرها إياها. والظاهر أن هذا الإيجاء كان بعد الولادة، وفي الأخبار ما يشهد له، فيكون في الكلام جملة محذوفة، وكأن التقدير والله تعالى أعلم: ووضعت موسى أمه في زمن الذبح فلم تدر ما تصنع في أمره وأوحينا إليها * (أن أرضعيه) * وقيل: كان قبل الولادة، وأن تفسيرية أو مصدرية، والمراد أن أرضعيه ما أمكنك إخفاؤه. وقرأ عمر بن عبد الواحد. وعمر بن عبد العزيز أن أرضعيه بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس لأن القياس فيه نقل حركتها وهي الفتحة إلى النون كما في قراءة ورش.
* (فإذا خفت عليه) * من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأبناء، أو من الجيران ونحوهم أن ينمو عليه * (فألقيه في اليم) * أي في البحر. والمراد به النيل، ويسمى مثله بحرا، وإن غلب في غير العذب * (ولا تخافي) * عليه ضيعة أو شدة من عدم رضاعه في سن الرضاع * (ولا تحزني) * من مفارقتك إياه * (إنا رادوه إليك) * عن قريب بحيث تأمنين عليه ويومىء إلى القرب السياق. وقيل التعبير باسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال ويعتبر لذلك في قوله سبحانه: * (وجاعلوه من المرسلون) * ولا يضر تفاوت القربين، والجملة تعليل للنهي عن الخوف والحزن، وإيثار الجملة الاسمية وتصديرها بحرف التحقيق للاعتناء بتحقيق مضمونها أي إنا فاعلون رده، وجعله من المرسلين لا محالة. واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعرا فقالت: أبعد قوله تعالى: * (وأوحينا إلى أم موسى) * (القصص: 7) الآية فصاحة وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. والفاء في قوله تعالى:
* (فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) * * (فا التقطه آل فرعون) * فصيحة والتقدير ففعلت ما أمرت به من إرضاعه والقائه في اليم لما خافت عليه، وحذف ما حذف تعويلا على دلالة الحال وإيذانا بكمال سرعة الامتثال.