تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١١٢
كما في قوله تعالى: * (وعنده مفاتح الغيب) * (الأنعام: 56) والمراد وآتيناه من الكنوز ما إن حفظها والاطلاع عليها ليثقل على العصبة أي هذه الكنوز لكثرتها واختلاف أصنافها تتعب حفظتها القائمين على حفظها * (إذ قال له قومه) *.
قال الزمخشري: هو متعلق بتنوء وضعف بأن أثقال المفاتح العصبة ليس مقيدا بوقت قول قومه، وقال ابن عطية: ببغى، وضعف بنحو ذلك، وقال أبو البقاء: بآتينا، ويجوز أن يكون ظرفا لمحذوف دل عليه الكلام أي بغى عليهم إذ قال، وفي كل منهما ما سبق، وقال الحوفي منصوب باذكر محذوفا، وجوز كونه متعلقا بما بعده من قوله تعالى: * (قال إنما أوتيته) * (القصص: 8،) والجملة مقررة لبغيه ورجح تعلقه بمحذوف والتقدير أظهر التفاخر والفرح بما أوتي إذ قال له قومه * (لا تفرح) * لا تبطر والفرح بالدنيا لذاتها مذموم لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتما كما قال أبو الطيب: أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا وقال ابن شمس الخلافة: وإذا نظرت فإن بؤسا زائلا * للمرء خير من نعيم زائل ولذلك قال عز وجل: * (ولا تفرحوا بما آتاكم) * (الحديد: 23) والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير قال الشاعر: ولست بمفراح إذ الدهر سرني * ولا جازع من صرفه المتقلب وقال آخر: إن تلاق منفسا لا تلقنا * فرح الخير ولانكبو لضر وعلل سبحانه النهي ههنا بكون الفرح مانعا من محبته عز وجل فقال تعالى: * (إن الله لا يحب الفرحين) * فهو دليل إني على كون الفرح بالدنيا مذموما شرعا، وإنما قلنا: إن الفرح بها لذاتها مذموم لأن الفرح بها لكونها وسيلة إلى أمر من أمور الآخرة غير مذموم، ومحبه الله تعالى عنه كثير صفة فعل أي أنه تعالى لا يكرم الفرحين بزخارف الدنيا ولا ينعم جل شأنه عليهم ولا يقربهم عز وجل، والمراد أنه تعالى يبغضهم ويهينهم ويبعدهم عن حضرته سبحانه، وقال بعضهم: إن في نفي محبته تعالى إياهم تنبيها على أن عدم محبته تعالى كاف في الزجر عما نهى عنه فما بالك بالبغض والعقاب وهو حسن، وحكى عيسى بن سليمان الحجازي أنه قرىء * (الفارحين) *.
* (وابتغ فيمآ ءاتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كمآ أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الارض إن الله لا يحب المفسدين) * * (وابتغ فيما آتاك الله) * من الكنوز والغنى * (الدار الآخرة) * أي ثوابها أي ثواب الله تعالى فيها بصرف ذلك إلى ما يكون وسيلة إليه و * (في) * إما ظرفية على معنى ابتغ متقلبا ومتصرفا فيه أو سببية على معنى ابتغ بصرف ما أتاك الله تعالى ذلك وقرىء * (اتبع) * * (ولا تنس) * أي ولا تترك ترك المنسي * (نصيبك من الدنيا) * أي حظك منها وهو كما أخرج الفريابي. وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن تعمل فيها لآخرتك، وروي ذلك عن مجاهد.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة هو أن تأخذ من الدنيا ما أحل الله تعالى لك، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن منصور قال: ليس هو عرض من عرض الدنيا ولكن نصيبك عمرك أن تقدم فيه لآخرتك، وأخرج ابن المنذر وجماعة عن الحسن أنه قال في الآية: قدم الفضل وأمسك ما يبلغك، وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف، وقيل: أرادوا بنصيبه من الدنيا الكفن كما قال الشاعر: نصيبك مما تجعل الدهر كله * رداءان تلوى فيهما وحنوط
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»