تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١١٣
وفي نهيهم إياه عن نسيان ذلك حض عظيم له على التزود من ماله للآخرة فإن من يكون نصيبه من دنياه وجميع ما يملكه الكفن لا ينبغي له ترك التزود من ماله وتقديم ما ينفعه في آخرته عباد الله عز وجل * (كما أحسن الله إليك) * أي مثل إحسانه تعالى إليك فيما أنعم به عليك، والتشبيه في مطلق الإحسان أو لأجل إحسانه سبحانه إليه على أن الكاف للتعليل.
وقيل: المعنى وأحسن بالشكر والطاعة كما أحسن الله تعالى عليك بالإنعام، والكاف عليه أيضا تحتمل التشبيه والتعليل * (ولاتبع الفساد في الأرض) * نهى عن الاستمرار على ما هو عليه من الظلم والبغي.
* (إن الله لا يحب المفسدين) * الكلام فيه كالكلام في قوله سبحانه: * (إن الله لا يحب الفرحين) * (القصص: 76) وهذه الموعظة بأسرها كانت من مؤمنين قومه كما هو ظاهر الآية، وقيل: إنها كانت من موسى عليه السلام.
* (قال إنمآ أوتيته على علم عندىأولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) * * (قال) * مجيبا لمن نصحه * (إنما أوتيته على علم عندي) * كأنه يريد الرد على قولهم: كما أحسن الله إليك لإنبائه عن أنه تعالى أنعم عليه بتلك الأموال والذخائر من غير سبب واستحقاق من قبله، وحاصله دعوى استحقاقه لما أويته لما هو عليه من العلم، وقوله: * (على علم) * عند أكثر المعربين في موضع الحال من مرفوع أوتيته قيد به العامل إشارة إلى علة الإيتاء ووجه استحقاقه له أي إنما أوتيته كائنا على علم، وجوز كون على تعليلية والجار والمجرور متعلق بأوتيت على أنه ظرف لغو كأنه قيل أوتيته لأجل علم، و * (عندي) * في موضع الصفة لعلم والمراد لعلم مختص بي دونكم، وجوز كونه متعلقا بأوتيت، ومعناه في ظني ورأيي كما في قولك: حكم كذا الحل عند أبي حنيفة عليه الرحمة، وفي " الكشاف " ما هو ظاهر في أن عندي إذا كان بمعنى في ظني ورأيي كان خبر مبتدأ محذوف أي هو في ظني ورأيي هذا، والجملة عليه مستأنفة تقرر أن ما ذكره رأي مستقر هو عليه، قال في " الكشف ": وهذا هو الوجه، والمراد بهذا العلم قيل علم التوراة فإنه كان أعلم بني إسرائيل بها، وقال أبو سليمان الداراني: علم التجارة ووجوه المكاسب، وقال ابن المسيب: علم الكيمياء، وكان موسى عليه السلام يعلم ذلك فأفاد يوشع بن نون ثلثه وكالب بن يوفنا ثلثه وقارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا، وقيل: علم الله تعالى موسى عليه السلام علم الكيمياء فعلمه موسى أخته فعلمته أخته قارون، وروى عن ابن عباس تخصيصه بعلم صنعة الذهب، وقيل: علم استخراج الكنوز والدفائن، وعن ابن زيد أن المراد بالعلم علم الله تعالى وأن المعنى أوتيته على علم من الله تعالى وتخصيص من لدنه سبحانه قصدني به، و * (عندي) * عليه بمعنى في ظني ورأيي، وقيل: العلم بمعنى المعلوم مثله في قوله تعالى: * (ولا يحيطون بشيء من علمه) * (البقرة: 552) وإلى ذلك يشير ما روى عن مقاتل أنه قال أي على خير علمه الله تعالى عندي وتفسيره بعلم الكيمياء شائع فيما بين أهلها، وفي " مجمع البيان " حكايته عن الكلبي أيضا، وأنكره الزجاج وقال: إنه لا يصح لأن علم الكيمياء باطل لا حقيقة له، وتعقبه الطيبي بأنه لعله كان من قبيل المعجز، وتعقب بأنه ليس بسديد وإلا لما تمكن قارون منه، وإنكار الكيمياء وهو لفظ يوناني معناه الحيلة أن عبراني وأصله كيم يه بمعنى أنه من الله تعالى أو فارسي وأصله كي ميا بمعنى متى يجيء على سبيل الاستبعاد غلب على تصحيل النقدين
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»