تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٣
وقال ابن عطية: هي عاطفة جملة كلام على جملة وإن تباينتا في المعاني وفيه نظر، والمراد بالإنسان الجنس، والسلالة من سللت الشيء من الشيء إذا استخرجته منه فهي ما سل من الشيء واستخرج منه فإن فعالة اسم لما يحصل من الفعل فتارة تكون مقصودة منه كالخلاصة وأخرى غير مقصودة منه كالقلامة والكناسة والسلالة من قبيل الأول فإنها مقصودة بالسل.
وذكر الزمخشري أن هذا البناء يدل على القلة، ومن الأولى ابتدائية متعلقة بالخلق، ومن الثانية يحتمل أن تكون كذلك إلا أنها متعلقة بسلالة على أنها بمعنى مسلولة أو متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلالة، ويحتمل أن تكون على هذا تبعيضية وأن تكون بيانية، وجوز أن يكون * (من طين) * بدلا أوعطف بيان بإعادة الجار، وخلق جنس الإنسان مما ذكر باعتبار خلق أول الأفراد وأصل النوع وهو آدم عليه السلام منه فيكون الكل مخلوقا من ذلك خلقا إجماليا في ضمن خلقه كما مر تحقيقه، وقيل: خلق الجنس من ذلك باعتبار أنه مبدأ بعيد لأفراد الجنس فإنهم من النطف الحاصلة من الغذاء الذي هو سلالة الطين وصفوته، وفيه وصف الجنس بوصف أكثر أفراده لأن خلق آدم عليه السلام لم يكن كذلك أو يقال ترك بيان حاله عليه السلام لأنه معلوم، واقتصر على بيان حال أولاده وجاء ذلك في بعض الروايات عن ابن عباس، وقيل المراد بالطين آدم عليه السلام على أنه من مجاز الكون، والمراد بالسلالة النطفة وبالإنسان الجنس ووصفه بما ذكر باعتبار أكثر أفراده أو يقال كما قيل آنفا، ولا يخفى خفاء قرينة المجاز وعدم تبادر النطفة من السلالة، وقيل المراد بالإنسان آدم عليه السلام وروى ذلك عن جماعة وما ذهبنا إليه أولا أولى، والضمير [بم في قوله تعالى:
* (ثم جعلن‍اه نطفة فى قرار مكين) *.
* (ثم جعلناه نطفة) * عائد على الجنس باعتبار أفراده المغايرة لآدم عليه السلام، وإذا أريد بالإنسان أولا آدم عليه السلام فالضمير على ما في " البحر " عائد على غير مذكور وهو ابن آدم، وجاز لوضوح الأمر وشهرته وهو كما ترى أو على الإنسان والكلام على حذف مضاف أي ثم جعلنا نسله، وقيل يراد بالإنسان أولا آدم عليه السلام وعند عود الضمير عليه ما تناسل منه على سبيل الاستخدام، ومن البعيد جدا أن يراد بالإنسان أفراد بني آدم والضمير عائد عليه ويقدر مضاف في أول الكلام أي ولقد خلقنا أصلا الإنسان الخ، ومثله أن يراد بالإنسان الجنس أو آدم عليه السلام والضمير عائد على * (سلالة) * والتذكير بتأويل المسلول أو الماء أي ثم صيرنا السلالة نطفة.
والظاهر أن * (نطفة) * في سائر الوجوه مفعولا ثانيا للجعل على أنه بمعنى التصيير وهو على الوجه الأخير ظاهر، وأما على وجه عود الضمير على الإنسان فلا بد من ارتكاب مجاز الأول بأن يراد بالإنسان ما سيصير إنسانا، ويجوز أن يكون الجعل بمعنى الخلق المتعدي إلى مفعول واحد ويكون * (نطفة) * منصوبا بنزع الخافض واختاره بعض المحققين أي ثم خلقنا الإنسان من نطفة كائنة * (في قرار) * أي مستقر وهو في الأصل مصدر من قر يقر قرارا بمعنى ثبت ثبوتا وأطلق على ذلك مبالغة؛ والمراد به الرحم ووصفه بقوله تعالى: * (مكين) * أي متمكن مع أن التمكن وصف ذي المكان وهو النطفة هنا على سبيل المجاز كما يقال طريق سائر، وجوز أن يقال: إن الرحم نفسها متمكنة ومعنى تمكنها أنها لا تنفصل لثقل حملها أولا تمج ما فيها فهو كناية عن جعل النطفة محرزة مصونة وهو وجه وجيه.
* (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظ‍اما فكسونا العظ‍ام لحما ثم أنشأن‍اه خلقا ءاخر فتبارك الله أحسن الخ‍القين) *.
* (ثم خلقنا النطفة علقة) * أي دما جامدا وذلك بإفاضة اعراض الدم عليها
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»