تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٢
وليس ذلك تكريرا لما وصفهم به أولا من الخشوع في جنس الصلاة للمغايرة التامة بين ماهنا وما هناك كما لا يخفى.
وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها، وتقديم الخشوع للاهتمام به فإن الصلاة بدونه كلا صلاة بالاجماع وقد قالوا: صلاة بلا خشوع جسد بلا روح، وقيل: تقديمه لعموم ما هنا له.
* (أول‍ائك هم الوارثون) *.
* (أولئك) * إشارة إلى المؤمنين باعتبار اتصافهم بما ذكر من الصفات وإيثارها على الاضمار للإشعار بامتيازهم بها عن غيرهم ونزولهم منزلة المشار إليهم حسا، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو طبقتهم وبعد درجتهم في الفضل والشرف أي أولئك المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة * (هم الوارثون) * أي الأحقاء أن يسموا وارثا دون من عداهم ممن لم يتصف بتلك الصفات من المؤمنين، وقيل: ممن ورث رغائب الأموال والذخائر وكرائمها.
* (الذين يرثون الفردوس هم فيها خ‍الدون) *.
* (الذين يرثون الفردوس) * صفة كاشفة أو عطف بيان أو بدل، وإياما كان ففيه بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيما لها وتأكيدا، والفردوس أعلا الجنان ، أخرج عبد بن حميد. والترمذي وقال: حسن صحيح غريب عن أنس رضي الله تعالى عنه أن الربيع بنت نضير أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابنها الحرث بن سراقة أصيب يوم بدر أصابه سهم غرب فقالت: أخبرني عن حارثة فإن كان أصاب الجنة احتسبت وصبرت وإن كان لم يصب الجنة اجتهدت في الدعاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها جنان في جنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها " وعلى هذا لا إشكال في الحصر على ما أشرنا إليه أولا فإن غير المتصف بما ذكر من الصفات وإن دخل الجنة لا يرث الفردوس التي هي أفضلها، وبتقدير إرثه إياها فهو ليس حقيقا بأن يسمى وارثا لما أن ذلك إنما يكون في الأغلب بعد كد ونصب، وإرثهم إياها من الكفار حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل منزلا في الجنة ومنزلا في النا. ر أخرج سعيد بن منصور. وابن ماجه. وابن جرير. وابن المنذر. وغيرهم عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزلة فذلك قوله تعالى: * (أولئك هم الوارثون) * " وقيل الإرث استعارة للاستحقاق وفي ذلك من المبالغة ما فيه لأن ازرث أقوى أسباب الملك، واختير الأول لأنه تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما صححه القرطبي * (هم فيها) * أي في الفردوس وهو على ما ذكره ابن الشحنة مما يؤنث ويذكر.
وذكر بعضهم أن التأنيث باعتبار أنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا، وقد تقدم لك تمام الكلام في الفردوس.
* (خالدون) * لا يخرجون منها أبدا، والجملة إما مستأنفة مقررة لما قبلها وإما حال مقدرة من فاعل * (يرثون) * أو مفعوله كما قال أبو البقاء إذ فيها ذكر كل منهما، ومعنى الكلام لا يموتون ولا يخرجون منها.
* (ولقد خلقنا الإنس‍ان من سل‍الة من طين) *.
* (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * لما ذكر سبحانه أولا أحوال السعداء عقبه بذكر مبدئهم ومآل أمرهم في ضمن ما يعمهم وغيرهم وفي ذلك إعظام للمنة عليهم وحث على الاتصاف بالصفات الحميدة وتحمل مؤن التكليفات الشديدة أو لما ذكر إرث الفردوس عقبه بذكر البعث لتوقفه عليه أو لما حث على عبادته سبحانه وامتثال أمره عقبه بما يدل على ألوهيته لتوقف العبادة على ذلك ولعل الأول أولى في وجه مناسبة الآية لما قبلها، ويجوز أن يكون مجموع الأمور المذكورة، واللام واقعة في جواب القسم والواو للاستئناف.
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»