تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٧٩
هو على هين ولا بد من إضمار القول لأن المخاطب لها جبريل عليه السلام وقوله: * (هو على هين) * كلام الحق تعالى شأنه حكاه لها. وإن علق بالأول يكون المعنى الأمر كذلك تصديقا لها أو كما وعدت تحقيقا له ثم استأنف قال ربك هو على هين لإزالة الاستبعاد أو لتقرير التحقيق ولاي بعد أن يجعل * (قال ربك) * على هذا تفسيرا وكذلك مبهما انتهى. ولا أرى ما نقل عن ابن المنير هناك وجها هنا * (ولنجعله) * تعليل لمعلل محذوف أي لنجعل وهب الغلام * (آية) * وبرهانا * (للناس) * جميعهم أو المؤمنين على ما روى عن ابن عباس يستدلون به على كمال قدرتنا * (ورحمة) * عظيمة كائنة * (منا) * عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بإرشاده فعلنا ذلك.
وجوز أن يكون معطوفا على علة أخرى مضمرة أي لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية الخ. قال في " الكشف ": إن مثل هذا يطرد فيه الوجهان ويرجح كل واحد بحسب المقام وحذف المعلل هنا أرجح إذ لو فرض علة أخرى لم يكن بد من معلل محذوف أيضا فليس قبل ما يصلح فهو تطويل للمسافة. وهذه الجملة - أعني العلة مع معللها - معطوفة على قوله * (هو علي هين) * وفي إيثار الأولى اسمية دالة على لزوم الهون مزيلة للاستبعاد والثانية فعلية دالة على أنه تعالى أنشأه لكونه آية ورحمة خاصة لا لأمر آهر ينافيه مرادا بها التجدد لتجدد الوجود لينتقل من الاستبعاد إلى الاستحماد ما لا يخفى من الفخامة انتهى.
ولا يرد أنه إذا قدر علة نحو لنبين جاز أن يكون ذلك متعلقا بما يدل عليه * (هو على هين) * من غير حذف شيء فلا يصح قوله لم يكن بد من معلل محذوف لظهور ما فيه. وما ذكره من العطف خالف فيه بعضهم فجعل الواو على الأول اعتراضية. ومن الناس من قال: إن * (لنجعله) * على قراءة * (ليهب) * عطف عليه على طريقة الالتفات من الغيبة إلى التكلم. وجوز أيضا العطف على * (لأهب) * على قراءة أكثر السبعة. ولا يخفى بعد هذا العطف على القراءتين * (وكان) * ذلك * (أمرا مقضيا) * محكما قد تعلق به قضاؤنا الأزلي أو قدر وسطر في اللوح لا بد لك منه أو كان أمرا حقيقا بمقتضى الحكمة والتفضل أن يفعل لتضمنه حكما بالغة. وهذه الجملة تذييل إما لمجموع الكلام أو للأخير.
* (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا) * * (فحملته) * الفاء فصيحة أي فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيبها فدخلت النفخة في جوفها فحملته. وروى هذا عن ابن عباس. وقيل: لم يدن عليه السلام بل نفخ عن بعد فوصل الريح إليها فحملت. وقيل: إن النفخة كانت في كمها وروى ذلك عن ابن جريج. وقيل كانت في ذيلها. وقيل كانت في فمها.
واختلفوا في سنها إذ ذاك فقيل ثلاث عشرة سنة، وعن وهب ومجاهد خمس عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة سنة، وقيل: اثنتا عشرة سنة، وقيل؛ عشر سنين وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل، وحكى محمد بن الهيصم رئيس الهيصمية من الكرامية إنها لم تكن حاضت بعد، وقيل: إنها عليها السلام لم تكن تحيض أصلا بل كانت مطهرة من الحيض. وكذا اختلفوا في مدة حملها ففي رواية عن ابن عباس أنها تسعة أشهر كما في سائر النساء وهو المروى عن الباقر رضي الله تعالى عنه لأنها لو كانت مخالفة لهن في هذه العادة لناسب ذكرها في أثناء هذه القصة الغريبة. وفي رواية أخرى عنه أنها كانت ساعة واحدة كما حملته نبذته. واستدل لذلك بالتعقيب الآتي وبأنه سبحانه قال في وصفه: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) * (آل عمران: 59) فإنه ظاهر في أنه عز وجل قال له كن فيكون فلا يتصور فيه مدة الحمل. وعن عطاء. وأبي العالية. والضحاك أنها
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»