تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٣٠
آخر يلزمك إما القول بأنه لم يكن في زمن إبراهيم عليه السلام وإما القول بأنه كان في زمنه بعد نمرود أو معه إلا أنه تحت إمرته ولم يكن فريدون إذ ذاك ويلزمك طي الكشح عن كتب التواريخ كما يلزمك على أتم وجه لو اخترت أنه فريدون.
والأقرب عندي لإلزام أهل الملل والنحل الضالين الذين يشق عليهم نبذ كتب التواريخ وعدم الالتفات إلى ما فيها بالكلية مع كثرتها وانتشارها في مشارق الأرض ومغاربها وتباين أديان مؤلفيها واختلاف أعصارهم اختيار أنه الاسكندر بن فيلقوس غالب دارا: وما علي إذ ما قلت معتقدي * دع الجهول يظن الجهل عدوانا واليهود قاطبة على هذا لكنهم لعنهم الله تعالى وقعوا في الإسكندر ونسبوه أقبح نسبة مع أنهم يذكرون أنه أمرمهم حين جاء إلى بيت المقدس وعظم أحبارهم والله تعالى أعلم، ثم إن السؤال ليس عن ذات ذي القرنين بل عن شأنه فكأنه قيل ويسألونك عن شأن ذي القرنين * (قل) * لهم في الجواب * (سأتلوا عليكم منه ذكرا) * الخطاب للسائلين والهاء لذي القرنين ومن تبعيضية، والمراد من أنبائه وقصصه، والجار والمجرور صفة ذكرا قدم عليه فصار حالا، والمراد بالتلاوة الذكر وعبر عنه بذلك لكونه حكاية عن جهة الله عز وجل أي سأذكر لكم نبأ مذكورا من أنبائه، ويجوز أن يكون الضمير له تعالى ومن ابتدائية ولا حذف والتلاوة على ظاهر أي سأتلو عليكم من جهته سبحانه وتعالى في شأنه ذكرا أي قرآنا، والسين للتأكيد والدلالة على التحقق المناسب لتقدم تأييده صلى الله عليه وسلم وتصديقه بإنجاز وعده أي لا أترك التلاوة البتة كما في قوله: سأشكر عمرا إن تراخت منيتي * أيادي لم تمنن وإن هي جلت لا للدلالة على أن التلاوة ستقع فيما يستقبل كما قيل لأن هذه الآية ما نزلت بانفرادها قبل الوحي بتمام القصة بل موصولة بما بعدها ريثما سألوه عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى:
* (إنا مكنا له فى الارض وآتين‍اه من كل شىء سببا) * * (إنا مكنا له في الأرض) * شروع في تلاوة الذكر المعهود حسبما هو الموعود، والتمكين ههنا الأقدار وتمهيد الأسباب يقال مكنه ومكن له كنصحته ونصحت له وشكرته وشكرت له؛ وفرق بينهما بأن معنى الأول جعله قادرا ومعنى الثاني جعل له قدرة وقوة ولتلازمهما في الوجود وتقاربهما في المعنى يستعمل كل منهما في محل الآخر وهكذا إذا كان التمكين مأخوذا من المكان بناء على توهم ميمه أصلية؛ والمعنى أنا جعلنا له مكنة وقدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار، وقيل: تمكينه في الأرض من حيث أنه سخر له السحاب ومد له في الأسباب وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء وفي ذلك أثر ولا أراه يصح، وقيل: تمكينه بالنبوة وإجراء المعجزات، وروي القول بنبوته أبو الشيخ في العظمة عن أبي الورقاء عن علي كرم الله تعالى وجهه وإلى ذلك ذهب مقاتل ووافقه الضحاك. ويعارضه ما أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن الأنباري في المصاحف. وابن أبي عاصم في السنة. وابن مردويه من طريق أبي الفضل أن ابن الكواء سأل عليا كرم الله تعالى وجهه عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ قال: لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله تعالى فأحبه ونصح الله تعالى فنصحه، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابو زيد أنه قال: ذو القرنين بلغ السدين وكان نذيرا ولم أسمع بحق أنه كان نبيا، وإلى أنه ليس بنبي ذهب الجمهور وتوقف بعضهم لما أخرجه
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»