هو في عدادهم إذ لولا ذلك الأمر ما تحقق إباء. وإلى ذلك ذهب قطرب إلا أنه قال: أي ففسق عن رده أمر ربه، ويحتمل أن يكون تقدير معنى وأن يكون تقدير إعراب ؛ وجوز على تقدير السببية أن يراد بالأمر المشيئة أي ففسق بسبب مشيئة الله تعالى فسقه ولولا ذلك لأطاع. والأظهر ما ذكر أولا. والفاء سببية عطفت ما بعدها على قوله تعالى: * (كان من الجن) * وأفادت تسبب فسقه عن كونه من الجن إذ شأنهم التمرد لكدورة مادتهم وخباثة ذاتهم والذي حبث لا يخرج إلا نكدا وإن كان منهم من أطاع وآمن، وجوز أن يكون العطف على ما يفهم من الاستثناء كأنه قيل: فسجدوا إلا إبليس أبى عن السجود ففسق، وتفيد حينئذ تسبب فسقه عن آبائه وتركه السجود. وقيل: إنها هنا غير عاطفة إذ لا يصح تعليل ترك السجود وآبائه عنه بفسقه عن أمر ربه تعالى. قال الرضى: والفاء التي لغير العطف وهي التي تسمى فاء السببية لا تخلو أيضا من معنى الترتيب وتختص بالجمل وتدخل على ما هو جزاء مع تقدم كلمة الشرط وبدونها انتهى. وليس بشيء لأنه يكفي لصحة ترتب الثاني تسببه كما في " فوكزه موسى فقضى عليه " كما صرح به في التسهيل وهنا كذلك. والتعرض لعنوان الربوبية المنافية للفسق لبيان قبح ما فعله. والمراد من الأمر بذكر وقت القصة ذكر القصة نفسها لما فيها من تشديد النكير على المتكبرين المفتخرين بانسابهم وأموالهم المستنكفين عن الانتظام في سلك فقراء المؤمنين ببيان أن ذلك من صنيع إبليس وأنهم في ذلك تابعون لتسويله كما ينبىء عنه ما يأتي إن شاء الله تعالى، ومنه يعلم وجه الربط، وجوز أن يكون وجه أنه تعالى لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان زهده سبحانه أولا بزخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال وشيكة الانتقال والباقيات الصالحات خير ثوابا وأحسن أملا من أنفسها وأعلاها ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة، واختار أبو حيان في وجهه أنه سبحانه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المجرمين مما سطر في كتبهم وكان إبليس اللعين هو الذي حملهم على المعاصي واتخاذ الشركاء ناسب ذكر إبليس والتنفير عنه تبعيدا عن المعاصي وعن امتثال ما يوسوس به ويدعو إليه. وأيا ما كان فلا يعد ذكر هذه القصة هنا مع ذكرها قبل تكرارا لأن ذكرها هنا لفائدة غير الفائدة التي ذكرت لها فيما قبل وهكذا ذكرها في كل موضع ذكرت فيه من الكتاب الجليل. ومثل هذا يقال في كل ما هو تكرار بحسب الظاهر فيه.
ولا يخفى أن أكثر المكررات ظاهرا مختلفة الأساليب متفاوتة الألفاظ والعبارات وفي ذلك من الأسرار الإلهية ما فيه فلا يستزلنك الشيطان.
* (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) * الهمزة للإنكار والتعجيب والفاء للتعقيب، والمراد إما إنكار أن يعقوب اتخاذه وذريته أولياء العلم بصدور ما صدر منه مع التعجب من ذلك، وإما تعقيب إنكار الاتخاذ المذكور والتعجيب منه أعلام الله تعالى بقبح صنيع اللعين فتأمل، والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أنه له أولادا وبذلك قال جماعة، وقد روي عن ابن زيد أن الله تعالى قال لابليس: أتى لا أخلق لآدم ذرية إلا ذرأت لك مثلها فليس يولد لآدم ولد إلا ولد معه شيطان يقرن به، وعن قتادة أنه قال: إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم. وذكر في البحر أن من القائلين بذلك أيضا الضحاك. والأعمش. والشعبي.
ونقل عن الشعبي انه قال: لا تكون ذرية إلا من زوجة فيكون قائلا بالزوجة، والذي في الدر المنثور برواية