تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٨٣
وضربنا الحديث ظهرا لبطن * وأتينا من أمرنا ما اشتهينا فإن ذلك مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض، ولكونه كناية عن الندم عدي بعلي في قوله تعالى: * (على ما أنفق فيها) * فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بيقلب كأنه قيل فأصبح يندم على ما أنفق، ومنه يعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدى بصلة المعنى الحقيقي كما في قولهم: بنى عليها وبصلة المعنى الكنائي كما هنا فيجوز بنى بها ويكون القول بنه غلط غلط.
ويجوز أن يكون الجار والمجرور ظرفا مستقرا متعلقة خاص وهو حال من ضمير * (يقلب) * أي متحسرا على ما أنفق وهو نظرا إلى المعنى الكنائي حال مؤكدة على ما قيل لأن التحسر والندم بمعنى، وقال بعضهم: إن التحسر الحزن وهو أخص من الندم فليراجع، وأيا ما كان فلا تضمين في الآية كما توهم. وقرىء * (تقلب كفاه ) * أي تتقلب، ولا يخفى عليك أمر الجار والمجرور على هذا، وما إما مصدرية أي على إنفاقه في عمارتها، وإما موصولة أي على الذي أنفقه في عمارتها من المال، ويقدر على هذا مضاف إلى الموصول من الأفعال الاختيارية إذا كان متعلق الجار * (يقلب) * مرادا منه يندم لأن الندم إنما يكون على الأفعال الاختيارية، ويعلم من هذا وجه تخصيص الندم على ما أنفق بالذكر دون هلالك الجنة، وقيل: لعل التخصيص لذلك ولأن ما أنفق في عمارتها كان ما يمكن صيانته عن طوارق الحدثان وقد صرفه إلى مصالحها رجاء أن يتمتع بها أكثر مما يتمتع به وكان يرى أنه لا تنالها أيدي الردى ولذلك قال: * (ما أظن أن تبيد هذه أبدا) * فلما ظهر له أنها مما يعتريه الهلاك ندم على ما صنع بناء على الزعم الفاسد من إنفاق ما يمكن إدخاره في مثل هذا الشيء السريع الزوال انتهى، والظاهر أن إهلاكها واستئصال نباتها وأشجارها كان دفعيا بآفة سماوية ولم يكن تدريجيا بإذهاب ما به النماء وهو الماء، فقد قال الخفاجي: إن الآية تدل على وقوع استئصال نباتها وأشجارها عاجلا بآفة سماوية صريحا لقوله تعالى: * (فأصبح) * بالفاء التعقيبية والتحسر إنما يكون لما وقع بغتة فتأمل * (وهى) * أي الجنة من الأعناب المحفوفة بنخل * (خاوية) * أي ساقطة، وأصل الخواء كما قيل الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام يخوي خوى وخواء إذا خلا. وفي " القاموس " خوت الدار تهدمت وخوت وخويت خيا وخويا وخواء وخواسة خلت من أهلها، وأريد السقوط هنا لتعلق قوله تعالى: * (على عروشها) * بذلك، والعروش جمع عشر وهو هنا ما يصنع من الأعمدة لتوضع عليه الكرم، وسقوط الجنة على العروش لسقوطها قبلها، ولعل ذلك لأنه قد أصاب الجنة من العذاب ما جعلها صعيدا زلقا لا يثبت فيها قائم، ولعل تخصيص حال الكروم بالذكر دون النخل والزرع إما لأنها العمدة وهما من متمماتها وإما لأن ذكر هلاكها على ماقيل مغنى عن ذكر هلاك الباقي لأنها حيث هلكت وهي مسندة بعروشها فهلاك ما عداها بالطريق الأولى وإما لأن الانفاق في عمارتها أكثر، ثم هذه الجملة تبعد ما روى من أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأحرقتها وغار ماؤها إلا أن يراد منها مطلق الخراب، وحينئذ يجوز أن يراد من * (هي) * الجنة بجميع ما اشتملت عليه * (ويقول) * عطف على * (يقلب) * وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون حالا من الضمير المستتر فيه بتقدير وهو يقول لأن المضارع المثبت لا يقترن بالواو الحالية إلا شذوذا.
* (يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) * كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه إنما أتى من قبل شركه فتمنى لو لم
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»