يكن مشركا فلم يصبه ما أصابه، قيل ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندما عليه فيكون تجديدا للايمان لأن ندمه على شرخ فيما مضى يشعء بأنه آمن في الحال فكأنه قال: آمنت بالله تعالى الآن وليت ذلك كان أولا، لكن لا يخفى أن مجرد الندم على الكفر لا يكون إيمانا وإن كان الندم على المعصية قد يكون توبة إذا عزم على أن لا يعود وكان الندم عليها من حيث كونها معصية كما صرح به في المواقف، وعلى فرض صحة قياسه بها لم يتحقق هنا من الكافر ندم عليه من حيث هو كفر بل بسبب هلاك جنتيه، والآية فيما بعد ظاهرة أيضا في أنه لم يتب عما كفر به وهو إنكار البعد، والقول بأنه إنما لم تقبل توبته عن ذلك لأنها كانت عند مشاهدة البأس والايمان إذ ذاك غير مقبول غير مقبول إذ غاية ما في الباب أنه إيمان بعد مشاهدة إهلاك ماله وليس في ذلك سلب الاختيار الذي هو مناط التكليف لا سيما إذا كان ذلك الإهلاك للإنذار، نعم إذا قيل إن هذا حكاية لما يقوله الكافر يوم القيامة كما ذهب إليه بعض المفسرين كان وجه عدم القبول ظاهرا إذ لا ينفع تجديد الايمان هناك بالاتفاق.
* (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) * * (ولم تكن له) * وقرأ الأخوان. ومجاهد. وابن وثاب. والأعمش. وطلحة. وأيوب. وخلف. وأبو عبيد. وابن سعدان. وابن عيسى الأصبهاني. وابن جرير * (يكن) * بالياء التحتية لأن المرفوع به أعني قوله تعالى: * (فئة) * غير حقيق التأنيث والفعل مقدم عليه وقد فصل بينهما بالمنصوب، وقد روعي في قوله سبحانه * (ينصرونه) * المعنى فاتي بضمير الجمع.
وقرأ ابن أبي عبلة * (ولم تكن له فئة تنصره) * مراعاة للفظ فقط، والمراد من النصرة لازمها وهو القدرة عليها أي لم تكن له فئة تقدر على نصره إما بدفع الهلاك قبل وقوعه أبو برد المهلك بعينه على القول بجواز إعادة المعدوم بعينه أو برد مثله على القول بعدم جواز ذلك * (من دون الله) * فإنه سبحانه وتعالى القادر على نصره وحده، وارتكاب المجاز لأنه لو أبقى ذلك على ظاهره لاقتضى نصرة الله تعالى إياه لأنه إذا قيل: لا ينصر زيدا أحد دون بكر فهم منه نصرة بكر له في العرف وليس ذلك بمراد بل المراد ما سمعت، وحاصله لا يقدرون على نصره إلا الله تعالى القدير * (وما كان) * في نفسه * (منتصرا) * ممتنعا بقوته عن انتقام الله تعالى منه * (هنالك) * أي في ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك * (الولاية لله الحق) * أي النصرة له تعالى وحده لا يقدر عليها أحد فالجملة تقرير وتأكيد لقوله تعالى: * (ولم تكن له فئة ينصرونه) * الخ، أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر سبحانه بمافعل بالكافر أخاه المؤمن فالولاية بمعنى النصرة على الوجهين إلا أنها على الأول مطلقة أو مقيدة بالمضطر ومن وقع به الهلاك وعلى هذا مقيدة بغير المضطر وهم المؤمنون، ويعضد أن المراد نصرتهم قوله تعالى:
* (هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا) * * (هو خير ثوابا وخير عقبا) * أي عاقبه لأوليائه، ووجه ذلك أن الآية ختمت بحال الأولياء فيناسب أن يكون ابتداؤها كذلك.
وقرأ الأخوان. والأعمش. وابن وثاب. وشيبة. وابن غرزوان عن طلحة. وخلف. وابن سعدان. وابن عيسى الأصبهاني. وابن جرير * (الولاية) * بكسر الواو وهي الولاية بالفتح بمعنى واحد عند بعض أهل اللغة كالوكالة والوكالة والوصاية والوصاية، وقال الزمخشري: هي بالفتح النصرة والتولي بالكسر السلطان والملك أي هنالك السلطان له عز وجل لا يغلب ولا يمتنع منه ولا يعبد غيره كقوله تعالى: * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله