تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٨٦
المعروف في عرف اللغة والاستعمال دخول الباء على الكثير الغير الطارىء وإن صدق بحسب الوضع على كل من التداخلين أنه مختلط ومختلط به إلا أنه اختير ما في النظم الكريم للمبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير ففي الكلام قلب مقبول * (فأصبح) * ذلك النبات الملتف إثر بهجته ونضارته * (هشيما) * أي يابسا متفتتا، وهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل جمع هشيم وأصبح بمعنى صار فلا يفيد تقييد الخبر بالصباح كما في قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا وقيل هي على ظاهرها مفيدة لتقييد الخبر بذلك لأن الآفات السماوية أكثر ما تطرق ليلا. وتعقب بأنه ليس في الآية ما يدل على أن اتصافه بكونه هشيما لآفة سماوية بل المراد بيان ما يؤول إليه بعد النضارة من اليبس والتفتت كقوله تعالى: * (والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى) * * (تذروه الرياح) * أي تفرقه كما قال أبو عبيدة، وقال الأخفش: ترفعه، وقال ابن كيسان: تجيء به وتذهب، وقرأ ابن مسعود * (تذريه) * من أذرى رباعيا وهو لغة في ذري. وقرأ زيد بن علي. والحسن. والنخعي. والأعمش. وطلحة. وابن أبي ليلى. وابن محيصن. وخلف. وابن عيسى وابن جرير * (تذروه الريح) * بالافراد، وليس المشبه به نفس الماء بل هو الهيئة المنتزعة من الجملة وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر مهتزا ثم يصير يابسا تطيره الرياح حتى كأنه لم يكن، وعبر بالفاء في الآية للإشعار بسرعة زواله وصيرورته بتلك الصفة فليست فصيحية، وقيل هي فصيحية والتقدير فزها ومكث مدة فأصبح هشيما * (وكان الله على كل شيء) * من الأشياء التي من جملتها الانشاء والافناء * (مقتدرا) * كامل القدرة.
* (المال والبنون زينة الحيواة الدنيا والب‍اقيات الص‍الحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * * (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) * بيان لشأن ما كانوا يفتخرون به من محسنات الحياة الدنيا كما افتخر الأخ الكافر بما افتخر به من ذلك إثر بيان شأن نفسها بما مر من المثل، وتقديم المال على البنين مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك. وعمومه بالنسبة إلى الأفراد والأوقات فإنه زينة وممد لكل أحد من الآباء والبنين في كل وقت وحين وأما البنون فزينتهم وإمدادهم إنما يكون بالنسبة إلى من بلغ الأبوة ولأن المال مناط لبقاء النفس والبنون لبقاء النوع ولأن الحاجة إليه أمس من الحاجة إليهم ولأنه أقدم منهم في الوجود ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بلا مال فهو في أضيق حال ونكال كذا في إرشاد العقل السليم، والزينة مصدر وأطلق على ما يتزين به للمبالغة ولذلك أخبره به عن أمرين وإضافتها إلى الحياة الدنيا اختصاصية، وجوز أن تكون على معنى في والمعنى أن ما يفتخرون به من المال والبنين شيء يتزين به في الحياة وقد علم شأنها في سرعة الزوال وقرب الاضمحلال فما الظن بما هو من أوصافها التي شأنها أن تزول قبل زوالها. وذكر أن هذا إشارة إلى ما يرد افتخارهم بالمال والبنين كأنه قيل: المال والبنون زينة الحياة الدنيا وكل ما كان زينة الحياة الدنيا فهو سريع الزوال ينتج المال والبنون سريعا الزوال، أما الصغرى فبديهية وأما الكبرى فدليلها يعلم مما مر من بيان شأن نفس الحياة الدنيا ثم يقال: المال والبنون سريعا الزوال وكل ما كان سريع الزوال
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»