تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٦٩
مرفق اليد. قال في الصحاح يقال: بات فلان مرتفقا أي متكئا على مرفق يده، وقيل: نصب المرفق تحت الخد فمرتفقا اسم مكان ونصبه على التمييز، قال الزمخشري: وهذا لمشاكلة قوله تعالى: * (وحسنت مرتفقا) * وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء إلا أن يكون من قوله: إني أرقت فبت الليل مرتفقا * كأن عيني فيها الصاب مذبوح أي فحينئذ لا يكون من المشاكلة ويكون الكلام على حقيقته بأن يكون لأهل النار ارتفاق فيها أي اتكاء على مرافق أيديهم كما يفعله المتحزن المتحسر، وقد ذكر في الكشف أن الاتكاء على الحقيقة كما يكون للتنعم يكون للتحزن.
وتعقب بأن ذلك وإن أمكن عقلا إلا أن الظاهر أن العذاب أشغلهم عنه فلا يتأتى منهم حتى يكون الكلام حقيقة لا مشاكلة. وجوز أن يكون ذلك تهكما أو كناية عن عدم استراحتهم.
وروي عن ابن عباس أن المرتفق المنلز. وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن قتادة، وفي معناه قول ابن عطاء: المقر؛ وقول العتبي: الملجس، وقيل موضع الترافق أي ساءت موضعا للترافق والتصاحب، وكأنه مراد مجاهد في تفسيره بالمجتمع فانكار الطبري أن يكون له معنى مكابرة.
وقال ابن الأنباري: المعنى ساءت مطلبا للرفق لأن من طلب رفقا من جهنم عدمه، وجوز بعضهم أن يكون المرتفق مصدرا ميميا بمعنى الارتفاق والاتكاء.
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الص‍الحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) * * (إن الذين ءامنوا) * في محل التعليل للحث على الإيمان المنفهم من التخيير كأنه قيل وللذين آمنوا، ولعل تغيير السبك للإيذان بكمال تنافي حالي الفريقين أي إن الذين آمنوا بالحق الذي يوحي إليك * (وعملوا الصالحات) * حسبما بين في تضاعيفه.
* (إنا لا تضيع أجر من أحسن عملا) * وقرأ عيسى الثقفي * (لا نضيع) * بالتضعيف، وعغى القراءتين الجملة خبر إن الثانية وخبر إن الأولى الثانية بما في حيزها والرابط ضمير محذوف تقديره من أحسن عملا منهم، ولا يرد أنه يقتضي أن منهم من أحسن ومنهم من لم يحسن لأن ذلك على تقدير كون من تبعيضية وليس بمتعين لجواز كونها ببيانية ولو سلم فلا بأس به فإن الإحسان زيادة الإخلاص الوارد في حديث الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، لكن يبقى على هذا حكم من لم يحسن بهذا المعنى منهم أو الرابط الاسم الظاهر الذي هو المبتدأ في المعنى على ما ذهب إليه الأخفش من جعله رابطا فإن من أحسن عملا في الحقيقة هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات. واعترض بأنه يأباه تنكير * (عملا) * لأنه للتقليل. وأجيب بأنه غير متعين لذلك إذ النكرة قد تعم في الإثبات ومقام المدح شاهد صدق أو الرابط عموم من بناء على أن العموم قد يكون رابطا كما في زيد نعم الرجل على قول وفيه مناقشة ظاهرة.
ولعل الأولى كون الخبر جملة قوله تعالى:
* (أول‍ائك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنه‍ار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الارآئك نعم الثواب وحسنت مرتفقا) * * (أول‍ائك لهم جنات عدن) * وجملة * (إنا) * الخ معترضة، ونحو ذها من الاعتراض كما قال ابن عطية وغيره قوله:
إن الخليفة إن الله ألبسه * سربال ملك به ترجى الخواتيم وأنت تعلم أن الاعتراض فيه غير متعين أيضا، وعلى الاحتمال السابق يحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة لبيان الأجر ويجتمل أن تكون خبرا بعد خبر على مذهب من لا يشترط في تعدد الأخبار كونها في معنى خبر واحد
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»