تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٦١
الأغيار المحجوبين عن مطالعة الأنوار والوقوف على الأسرار * (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) * بأحجار الإنكار * (أو يعيدوكم في ملتهم) * التي اجتمعوا عليها ولم ينزل الله تعالى بها من سلطان * (ولن تفلحوا إذا أبدا) * (الكهف: 20) لأن الكفر حينئذ يكون كالكفر الإبليسي * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23) إرشاد إلى محض التجريد والتفريد، ويحكى عن بعض كبار الصوفية أنه أمر بعض تلامذته بفعل شيء فقال: أفعله إن شاء الله تعالى فقال له الشيخ بالفارسية ما معناه: يا مجنون فإذا من أنت، والآية تأبى هذا الكلام غاية الإباء وفيه على مذهب أهل الوحدة أيضا ما فيه، وقيل الآية نهي عن أن يخبر صلى الله عليه وسلم عن الحق بدون إذن الحق سبحانه. ففيه إرشاد للمشايخ إلى أنه لا ينبغي لهم التكلم بالحقائق بدون الإذن ولهم أمارات للإذن يعرفونها.
* (واذكر ربك إذا نسيت) * قيل أي إذا نسيت الكون بإسره حتى نفسك فإن الذكر لا يصفو إلا حينئذ، وقيل إذا نسيت الذكر، ومن هنا قال الجنيد قدس سره: حقيقة الذكر الفناء بالمذكور عن الذكر، وقال قدس سره في قوله تعالى: * (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) * إن فوق الذكر منزلة هي أقرب منزلة من الذكر وهي تجديد النعوت بذكره سحبانه لك قبل أن تذكره جل وعلا * (ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا) * زعم بعض أهل التأويل أن مجموع ذلك خمس وعشرون سنة واعتبر السنة التي في الآية شهرا وهو زعم لا داعي إليه إلا ضعف الدين ومخالفة جماعة المسلمين وإلا فأي ضرر في إبقاء ذلك على ظاهره وهو أمر ممكن أخبر به الصادق، ومما يدل على إمكان هذا اللبث أن أبا علي بن سينا ذكر في باب الزمان من الشفاء أن أرسطو ذكر أنه عرش لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف قال أبو علي: ويدل التاريخ على أنهم قبل أصحاب الكهف انتهى.
وفي الآية على ما قيل إشارة إلى أن المريد الذي يربيه الله سبحانه بلا واسطة المشايخ يصل في مدة مديدة وسنين عديدة والذي يربيه جل جلاله بواسطتهم يتم أمره في أربعينيات وقد يتم في أيام معدودات، وأنا أقول لا حجر على الله سبحانه وقد أوصل جل وعلا كثيرا من عباده بلا واسطة في سويعات * (له) * تعالى شأنه * (غيب السموات) * عالم العلو * (والأرض) * (الحجرات: 18) عالم السفل، ولا يخفى أن عنوان الغيبية إنما هو بالنسبة إلى المخلوقين وإلا فلا غيب بالنسبة إليه جل جلاله؛ ومن هنا قال بعضهم: إنه سبحانه لا يعلم الغيب بمعنى أنه لا غيب بالنسبة إليه تعالى ليتعلق به العلم، لكن أنت تعلم أنه لا يجوز التكلم بمثل هذا الكلام وإن أول بما أول لما فيه ظاهرا من مصادمة الآيات.
وإلى الله تعالى نشكو أقواما ألغزوا الحق وفتنوا بذلك الخلق * (أبصر به واسمع) * أي ما أبصره تعالى وما أسمعه لأن صفاته عين ذاته * (ما لهم من دونه من ولي) * إذ لا فعل لأحد سواه تعالى * (ولا يشرك في حكمه أحدا) * لكمال قدرته سبحانه وعجز غيره عز شأنه، هذا والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
* (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيواة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) * * (واصبر نفسك) * أي احبسها وثبتها يقال صبرت زيدا أي حبسته، وفي الحديث النهي عن صبر الحيوان أي حبسه للرمي، واستعمال ذلك في الثبات على الأمر وتحمله توسع، ومنه الصبر بمعناه المعروف، ولم يجعل هذا منه لتعدي هذا ولزومه * (مع الذين) * أي مصاحبة مع الذين * (يدعون ربهم بالغداة والعشي) * أي يعبدونه دائما، وشاع استعمال مثل هذه العبارة للدوام وهي نظير قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن يريدون
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»