تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٥٦
وأيضا نحن نقول أحسن بزيد يا عمرو ولا يخاطب شيئان في حالة إلا أن يقول: معنى خطاب الحسن قد انمحى، وثمرة الخلاف بين س وغيره تظهر فيما إذا اضطر إلى حذف الباء فعلى مذهب س يلزم رفع مجروره وعلى غيره يلزم نصبه، هذا وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون معنى الآية: أبصر بدين الله تعالى وأسمع به أي بصر بهدى الله تعالى وسمع به فترجع الهاء إما على الهدى وإما على الاسم الجليل ونقل ذلك عن ابن الأنباري وليس بشيء. وقرأ عيسى * (أبصر به وأسمع) * بصيغة الماضي فيهما وخرج ذلك أبو حيان على أن المراد الإخبار لا التعجب، والضمير المجرور لله تعالى أي أبصر عباده بمعرفته سبحانه وأسمعهم، وجوز أن يكون * (أبصر) * أفعل تفضيل وكذا * (أسمع) * وهو منصوب على الحالية من ضمير له وضمير * (به) * عائد على الغيب وليس المراد حقيقة التفضيل بل عظم شأن بصره تعالى وسمعه عز وجل، ولعل هذا أقرب مما ذكره أبو حيان، وحاصل المعنى عليه أنه جل شأنه يعلم غيب السموات والأرض بصيرا به وسميعا على أتم وجه وأعظمه * (ما لهم) * أي لأهل السموات والأرض المدلول عليه بذكرهما * (من دونه) * تعالى * (من ولي) * من يتولى أمورهم * (ولا يشرك في حكمه) * في قضائه تعالى * (أحدا) * كائنا من كان ولا يجعل له فيه مدخلا، وقيل يحتمل أن يعود الضمير لأصحاب الكهف وإضافة حكم للعهد على معنى ما لهم من يتولى أمرهم ويحفظهم غيره سبحانه ولا يشرك في حكمه الذي ظهر فيهم أحدا من الخلق.
وجوز ابن عطية أن يعود على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار المشاقين له عليه الصلاة والسلام وجعل الآية اعتراضا بتهديد، وقيل يحتمل أن يعود على معنى مؤمني أهل السموات والأرض. والمراد أنهم لن يتخذوا من دونه تعالى وليا، وقيل: يعود على المختلفين في مدة لبث أصحاب الكهف أي لا يتولى أمرهم غير الله تعالى فهم لا يقدرون بغير إقداره سبحانه فكيف يعلمون بغير إعلامه عز وجل والكل كما ترى، ثم لا يخفى عليك أن ما في " النظم الكريم " أبلغ في نفي الشريك من أن يقال من ولي ولا شريك.
وقرأ مجاهد * (ولا يشرك) * بالياء آخر الحروف والجزم، قال يعقوب: لا أعرف وجه ذلك، ووجه بعضهم بأنه سكن بنية الوقف. وقرأ ابن عامر. والحسن. وأبو رجاء. وقتادة. والجحدري. وأبو حيوة. وزيد. وحميد بن الوزير عن يعقوب. والجعفي. واللؤلؤي عن أبي بكر * (ولا تشرك) * بالتاء ثالث الحروف والجزم على أنه نهى لكل أحد عن الشرك لا نهي له صلى الله عليه وسلم ولو جعل له عليه الصلاة والسلام لجعل تعريضا بغيرة كقوله: إياك أعني واسمعي يا جاره فيكون مآله إلى ذلك، وجوز أن يكون الخطاب له صلى الله عليه وسلم ويجعل معطوفا على * (لا تقولن) * والمعنى لا تسأل أحدا عما لا تعرفه من قصة أصحاب الكهف ولبثهم واقتصر على ما يأتيك في ذلك من الوحي أو لا تسأل أحدا عما أخبرك الله تعالى به من نبأ مدة لبثهم واقتصر على بيانه سبحانه ولا يخفى ما فيه من كثرة مخالفة الظاهر وإن كان أشد مناسبة لقوله تعالى:
* (واتل مآ أوحى إليك من كت‍ابربك لا مبدل لكلم‍اته ولن تجد من دونه ملتحدا) * * (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) * ووجه الربط على القراءة المشهورة حسبما تقدم من تفسيرها أنه سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الكهف وكانت من المغيبات بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم ودل اشتمال القرآن عليها على
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»