تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢١
السلام من أواخر ملوك الطوائف كما لا يخفى، ويكون بين هذا البعث والبعث الأول على القول بأن المبعوث بختنصر وأتباعه مدة متطاولة، وففي بعض التواريخ أن قتل الإسكندر دارا بعد بختنصر بأربعمائة وخمس وثلاثين سنة وبعد مضي نحو من ثلثمائة سنة من غلبة الإسكندر ولد المسيح عليه السلام، ولا شك أن قتل يحيى عليه الصلاة والسلام بعد الولادة بزمان والبعث بعد القتل كذلك فيكون بين البعثين ما يزيد على سبعمائة وخمس وثلاثين سنة، والذي ذهب إليه اليهود أن المبعوث أولا بختنصر وكان في زمن أرميا عليه السلام وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأصنام كما نطق به كتابه فحبسوه في بئر وجرحوه وكان تخريبه لبيت المقدس في السنة التاسعة عشر من حكمه وبين ذلك وهبوط آدم ثلاثة آلاف وثلثمائة وثماني وثلاثين سنة وبقي خرابا سبعين سنة، ثم أن أسبيانوس قيصر الروم وجه وزيره طوطوز إلى خرابه فخربه سنة ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانية وعشرين فيكون بين البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة، وتفصيل الكلام في ذلك في كتبهم والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. ونعم ما قيل إن معرفة الأقوام المبعوثين بأعيانهم وتاريخ البعث ونحوه مما لا يتعلق به كبير غرض إذ المقصود أنه لماكثرت معاصيهم سلط الله تعالى عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى.
وظاهر الآية يقتضي اتحاد المبعوثين أولا وثانيا، ومن لا يقول بذلك يجعل رجوع الضمائر للعباد على حد رجوع الضمير للدرهم في قولك: عندي درهم ونصفه فافهم.
* (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للك‍افرين حصيرا) * * (عسى ربكم أن يرحمكم) * بعد البعث الثاني إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي * (وإن عدتم) * للإفساد بعد الذي تقدم منكم * (عدنا) * للعقوبة فعاقبناكم في الدنيا بمثل ما عاقبناكم به في المرتين الأوليين، وهذا من المقضي لهم في الكتاب أيضا وكذا الجملة الآتية، وقد عادوا بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وقصدهم قتله فعاد الله تعالى بتسليطه عليه الصلاة والسلام عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير وضرب الجزية على الباقين وقيل عادوا فعاد الله تعالى بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الإتاوة ونحو ذلك والأول مروي عن الحسن. وقتادة، والتعبير بأن للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يعودوا * (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * قال ابن عباس. وغيره: أي سجنا وأنشد في البحر قول لبيد: ومقامه غلب الرقاب كأنهم * جن على باب الحصير قيام فإن كان اسما للمكان المعروف فهو جامد لا يلزم تأنيثه وتذكيره. وإن كان بمعنى حاصر أي محيط بهم وفعيل بمعنى فاعل يلزم مطابقته فعدم المطابقة هنا إما لأنه على النسب كلابن وتامر أي ذات حصر وعلى ذلك خرج قوله تعالى: * (السماء منفطر به) * (المزمل: 18) أي ذات انفطار أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول وقيل التذكير على تأويل جهنم بمذكر، وقيل لأن تأنيثها ليس بحقيقي نقل ذلك أبو البقاء وهو كما ترى.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن الحسن أنه فسر ذلك بالفراش والمهاد، قال الراغب: كأنه جعل الحصير المرمول وأطلق عليه ذلك لحصر بعض طاقاته على بعض فحصير على هذا بمعنى محصور وفي الكلام التشبيه البليغ، وجاء الحصر بمعنى السلطان وأنشد الراغب في ذلك البيت السابق ثم قال: وتسميته بذلك إما لكونه محصورا نحو محجب وإما لكونه حاصرا أي مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه اه‍ وحمل ما في الآية
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»