تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٦
زوائد الزهد عن إبراهيم قال: شكره عليه السلام أن يسمي إذا أكل ويحمد الله تعالى إذا فرغ.
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمى الله تعالى نوحا عبدا شكورا لأنه كان إذا أمسى وأصبح قال: * (سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون) * وأخرج البيهقي. وغيره عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن نوحا لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني أذاه " وهذا من جملة شكره عليه السلام.
وفي هذه الجملة إيماء بأن إنجاء من معه عليه السلام كان ببركة شكره وحث للذرية على الاقتداء به وزجر لهم عن الشرك الذي هو أعظم مراتب الكفر، وهذا وجه ملائمتها لما تقدم، وقال الزمخشري: يجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد وحينئذ فلا يطلب ملاءمته مع ما سيق له الكلام إلا من حيث أنه كان من شأن من ذكر أعني نوحا عليه السلام، وقيل ضمير * (إنه) * عائد على موسى عليه السلام والجملة مسوقة على وجه التعليل إما لإيتاء الكتاب أو لجعله عليه السلام هدى بناء على أن * (ضمير) * جعلناه له أو للنهي عن الاتخاذ وفيه بعد فتدبر.
* (وقضينآ إلى بنى إسراءيل فى الكت‍ابلتفسدن فى الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا) * * (وقضينا إلى بني إسرائيل) * أخرج بن جرير. وغيره عن ابن عباس أي أعلمناهم، وزاد الراغب وأوحينا إليهم وحيا جزما، وصرح غير واحد بتضمن القضاء معنى الإيحاء ولهذا عدى بإلى، والوحي إليهم إعلامهم ولو بالواسطة، وقيل إلى بمعنى على وروي ذلك أيضا عن ابن عباس: قال أي قضينا عليهم * (في الكتاب) * أي التوراة أو الجنس بدليل قراءة أبي العالية. وابن جبير * (الكتب) * بصيغة الجمع والظاهر الأول على الأول أو اللوح المحفوظ على الأخير، وأخرج ابن المنذر. والحاكم عن طاوس قال: كنت عند ابن عباس ومعنا رجل من القدرية فقلت: إن أناسا يقولون لا قدر قال: أو في القوم أحد منهم؟ قلت: لو كان ما كنت تصنع به؟ قال: لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه ثم قرأت عليه * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) * * (لتفسدن في الأرض) * جواب قسم محذوف، وحذف متعلق القضاء أيضا للعلم به؛ والتقدير وقضينا إلى بني إسرائيل بفسادهم وعلوهم والله لتفسدن الخ ويكون هذا تأكيدا لتعلق القضاء، ويجوز جعله جواب * (قضينا) * بإجراء القضاء مجرى القسم فيتلقى بما يتلقى به نحو قضاء الله تعالى لأفعلن كذا. والمراد بالأرض الجنس أو أرض الشام وبيت المقدس.
وقرأ ابن عباس. ونصر بن علي. وجابر بن زيد * (لتفسدن) * بضم التاء وفتح السين مبنيا للمفعول أي يفسدكم غيركم فقيل من الضلال، وقيل من الغلبة. وقرأ عيسى * (لتفسدن) * بفتح التاء وضم السين على معنى لتفسدن بأنفسكم بارتكاب المعاصي * (مرتين) * منصوب على أنه مصدر * (لتفسدن) * من غير لفظه، والمراد إفسادتين أولاهما على ما نقل السدي عن أشياخه قتل زكريا عليه السلام وروي ذلك عن ابن عباس. وابن مسعود وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم تنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضا ولم يسمعوا من زكريا فقال الله تعالى له: قم في قومك أوح على لسانك فلما فرغ مما أوحى عليه عدوا عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسط الشجرة حتى قطعوه في وسطها.
وقيل سبب قتله أنهم اتهموه بمريم عليها السلام قيل قالوا: حين حملت ضيع بنت سيدنا حتى زنت فقطعوه بالمنشار في الشجرة، وقال ابن إسحق: هي قتل شعيا عليه السلام وقد بعث بعد موسى عليه السلام فلما بلغهم
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»