قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض سبحانه وتعالى، وذكر العلائي في تفسيره أنه كان للنبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء خمسة مراكب، الأول: البراق إلى بيت المقدس، الثاني: المعراج منه إلى السماء الدنيا، الثالث: أجنحة الملائكة منها إلى السماء السابعة، الرابع: جناح جبريل عليه السلام منها إلى سدرة المنتهى، الخامس: الرفرف منها إلى قاب قوسين، ولعل الحكمة في الركوب إظهار الكرامة وإلا فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يوصله إلى أي موضع أراد في أقل من طرفة عين، وقيل لم يكن إلا البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والمعراج منه إلى حيث شاء الله تعالى وقد كان له عشر مراقي سبعة إلى السموات والثامن إلى السدرة والتاسع إلى المستوى الذي سمع فيه صريف الأقلام والعاشر إلى العرش والله تعالى أعلم.
ومن العجائب ما سمعته عن الطائفة الكشفية والعهدة على الراوي أن للروح جسدين جسد من عالم الغيب لطيف لا دخل للعناصر فيه وجسد من عالم الشهادة كثيف مركب من العناصر والنبي صلى الله عليه وسلم حين عرج به ألقى كل عنصر من عناصر الجسد العنصري في كرته فما وصل إلى فلك القمر حتى ألقى جميع العناصر ولم يبق معه إلا الجسد اللطيف فرقى به حيث شاء الله تعالى، ثم لما رجع عليه الصلاة والسلام رجع إليه ما ألقاه واجتمع فيه ما تفرق منه، ولعمري إنه حديث خرافة لا مستند له شرعا ولا عقلا.
وذكر مولانا عبد الرحمن الدشتي ثم الجامي أن المعراج إلى العرش بالروح والجسد وإلى ما وراء ذلك بالروح فقط وأنشد بالفارسية: جو رفرف شد مشرف ازوجودش * كرفت ازدست رفرف عرش زودش بدست عرش تن جون خرقه بكذاشت * علم برلا مكان بي خرقه افراشت كلى برد ندا زين دهليزه يست * بدان دركاه وإلا دست بردست جهت رامهره ازششدر رهانيد * مكانرا مركب ازتنكى جهانيد مكاني يافت خالي ازمكان نيز * كه تن محرم نبودا نجا وجان نيز ولم أقف على مستند له من الآثار وكأنه لاحظ أن العروج فوق العرش بالجسد يستدعي مكانا، وقد تقرر عند الحكماء أن ما وراء العرش لا خلا ولا ملا وبه تنتهي الأمكنة وتنقطع الجهات، وقال بعضهم: أمر المعراج أجل من أن يكيف وماذا عسى يقال سوى أن المحب القادر الذي لا يعجزه شيء دعا حبيبه الذي خلقه من نوره إلى زيارته وأرسل إليه من أرسل من خواص ملائكته فكان جبريل هو الآخذ بركابه وميكائيل الآخذ بزمام دابته إلى أن وصل إلى ما وصل ثم تولى أمره سبحانه بما شاء حتى حصل فأي مسافة تطول على ذلك الحبيب الرباني وأي جسم يمتنع عن الخرق لذلك الجسد النوراني: جز بحزوى فثم عالم لطف * من بقايا أجساده الأرواح ومن تأمل في العين وإحساسها بالقريب والبعيد ولو كان فاقدها وذكر له حالها لأنكر ذلك إنكارا ما عليه مزيد، وكذا في غير ذلك من آثار قدرة الله تعالى الظاهرة في الأنفس والآفاق والواقع على جلالة قدرها الاتفاق لم يسعه إلا تسليم ما نطقت به الآيات وصحت به الروايات، ويشبه كلام هذا البعض ما قاله بعض شعراء الفرس إلا أن فيه ميلا إلى مذهب أهل الوحدة وهو قوله: