الوحي أرادوا قتله فهرب فقتل وهو صاحب الشجرة وزكريا عليه السلام مات موتا ولم يقتل. وفي " الكشاف " أولاهما قتل زكريا وحبس أرميا والآخرة قتل يحيى وقصد قتل عيسى عليهما السلام، وهذا فيمن جعل هلاك زكريا قبل يحيى عليهما السلام وهو رواية ابن عساكر في تاريخه عن علي كرم الله تعالى وجهه، ثم ضم ذلك مع حبس أرميا في قرن غير سديد لأن أرميا كان في زمن بختنصر وبينه وبين زكريا أكثر من مائتي سنة.
واختار بعضهم وقيل: إنه الحق أن الأول تغيير التوراة وعدم العمل بها وحبس أرميا وجرحه إذ وعظهم وبشرهم بنبينا صلى الله عليه وسلم وهو أول من بشر به عليه الصلاة والسلام بعد بشارة التوراة، والأخرى قتل زكريا ويحيى عليهما السلام، ومن قال: إن زكريا مات في فراشه اقتصر على يحيى عليه السلام، واختلف في سببه قتله فعن ابن عباس وغيره أن سبب ذلك أن ملكا أراد أن يتزوج من لا يجوز له تزوجها فنهاه عليه السلام وكان الملك قد عود تلك المرأة أن يقضي لها كل عيد ما تريد منه فعلمتها أمها أن تسأله دم يحيى في بعض الأعياد فسألته فأبى فألحت عليه فدعا بطست فذبحه فيه بدرت قطرة على الأرض فلم تزل تغلي حتى قتلها عليها سبعون ألفا.
وقال الربيع بن أنس: إن يحيى عليه السلام كان حسنا جميلا جدا فراودته امرأة الملك عن نفسه فأبى فقالت لابنتها: سلى أباك رأس يحيى فسألته فأعطاها إياه، وقال الجبائي. إن الله تعالى ذكر فسادهم في الأرض مرتين ولم يبين ذلك فلا يقطع بشيء مما ذكر * (ولتعلن علوا كبيرا) * لتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا للحد، وأصل معنى العلو الارتفاع وهو ضد السفل وتجوز به عن التكبر والاستيلاء على وجه الظلم. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (عليا كبيرا) * بكسر العين واللام والياء المشددة، قال في " البحر " والتصحيح في فعول المصدر أكثر بخلاف الجمع فإن الإعلال فيه هو المقيس وشذ التصحيح نحو لهو ومهو خلافا للفراء إذ جعل قياسا.
* (فإذا جآء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنآ أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا) * فإذا جاء وعد أولياهما) * أي أولى مرتى الإفساد.
والوعد بمعنى الموعود مراد به العقاب كما في " البحر " وفي الكلام تقدير أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود، وقيل الوعد بمعنى الوعيد وفيه تقدير أيضا، وقيل بمعنى الوعد الذي يراد به الوقت أي فإذا حان موعد عقاب أولاهما * (بعثنا عليكم) * أرسلنا لمؤاخذتكم بتلك الفعلة * (عبادا لنا) * وقال الزمخشري: خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون الله تعالى أرسل إلى ملك أولئك العباد رسولا يأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر منه تعال. ى وقرأ الحسن. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم * (عبيدا) * * (أولى بأس شديد) * ذوي قوة وبطش في الحروب، وقال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية، ومن هنا قيل: إن وصف البأس بالشديد مبالغة كأنه قيل: ذوي شدة شديدة كظل ظليل ولا بأس فيه، وقيل إنه تجريد وهو صحيح أيضا. واختلف في تعيين هؤلاء العباد فعن ابن عباس. وقتادة هم جالوت الجزري وجنوده، وقال ابن جبير. وابن إسحاق هم سنجاريب ملك بابل وجنوده، وقيل هم العمالقة، وفي " الأعلام " للسهيلي هم بختنصر عامل لهراسف أحد ملوك الفرس الكيانية على بابل والروم وجنوده بعثوا عليهم حين كذبوا أرميا وجرحوه وحبسوه قيل وهو الحق.