تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٢
فيكتب من ذلك ما يأمر الله تعالى به ثم يقول: أي رب أشقى أم سعيد؟ فإن كان سعيدا نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله وإن كان شقيا نفخ فيه بالشقاوة في آخر أجله ثم يقول أكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية فيكتب من ذلك ما يأمره الله تعالى ثم يقول الملك: يا رب ما أصنع بهذا الكتاب فيقول: سبحانه علقه في عنقه إلى قضائي عليه " فذلك قوله تعالى: * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) *.
ولا يخفى أن الظاهر من هذا الخبر أن ذكر العنق ليس للتصوير المذكور وأن الطائر عبارة عن الكتاب الذي كتب فيه ما كتب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس أنه فسره بذلك صريحا، وباب المجاز واسع، ونحن نؤمن بالحديث إذا صح ونفوض كيفية ما دل عليه إلى اللطيف الخبير جل جلاله، والظاهر منه أيضا عدم تقييد الإنسان بالمكلف، ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود في كتاب القدر. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال في الآية: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد، وآخر الآية ظاهر في التقييد.
وقرأ مجاهد. والحسن وأبو رجاء * (طيره) * وقرىء * (عنقه) * بسكون النون * (ونخرج له يوم القيامة) * (الإسراء: 13) والبعث للحساب * (كتابا) * هي صحيفة عمله، ونصبه على أنه مفعول * (نخرج) * وجوز أن يكون حالا من مفعول لنخرج محذوف وهو ضمير عائد على الطائر أي نخرجه له حال كونه كتابا. ويعضد ذلك قراءة يعقوب. ومجاهد، وابن محيض * (ويخرج) * بالياء مبينيا للفاعل من خرج يخرج ونصب * (كتابا) * فإن فاعله حينئذ ضمير الطائر وكتابا حال منه والأصل توافق القراءتين، وكذا قراءة أبي جعفر * (ويخرج) * بالياء مبنيا للمفعول من أخرج ونصب * (كتابا) * أيضا، ووجه كونها عاضدة أن في يخرج حينئذ ضميرا مستترا هو ضمير الطائر وقد كان مفعولا، واحتمال أن يكون * (له) * نائب الفاعل فلا تعضد لا يلتفت إليه لأن إقامة غير المفعول مع وجوده مقام الفاعل ضعيفة وليس ثمت ما يكون كتابا حالا منه فيتعين ما ذكر كما قاله ابن يعيش في شرح المفصل، وعنه أيضا أنه قرىء * (يخرج) * بالبناء للمفعول أيضا ورفع دكتاب) * على أنه نائب الفاعل وقرأ الحسن * (يخرج) * بالبناء للفاعل من الخروج ورفع * (كتاب) * على الفاعلية، وقرأت فرقة ويخرج بالياء من الإخراج مبنيا للفاعل وهو ضمير الله تعالى وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال في قراءة أبي بن كعب * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه يقرأه يوم القيامة كتابا) * * (يلقي‍اه) * أي يلقي الإنسان أو يلقاه الإنسان * (منشورا) * غير مطوى لتمكن قراءته، وفيه إشارة إلى أن ذلك أمر مهيء له غير مغفول عنه، وجملة * (يلقاه) * صفة كتابا و * (منشورا) * حال من ضميره، وجوز أن يكونا صفتين له، وفيه تقدم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد وهو خلاف الظاهر، وقرأ ابن عامر. وأبو جعفر والجحدري. والحسن بخلاف عنه * (يلقاه) * بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف من لقيته كذا أي يلقي الإنسان إياه.
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك في قبرك حتى تجيء يوم القيامة فتخرج لك.
* (اقرأ كت‍ابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * * (اقرأ كتابك) * بتقدير يقال له ذلك، وهذه الجملة إما صفة أو حال أو مستأنفة، والظاهر أن جملة
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»