يبعث الله تعالى ريحا فتطيرها إلى الأيمان والشمائل وأول خط فيها * (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * (الإسراء: 14) وهو ظاهر في أن فاعل الإيتاء ليس الملك إلا أن الخبر يحتاج إلى تنقير فإني لست من صحته على يقين.
نعم جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد عن عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: " قلت يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: أما عند ثلاث فلا إلى أن قال وعند تطاير الكتب " وهو مؤيد بظاهره الخبر الساب قوالله تعالى أعلم.
وجاء في بعض الآثار أن أول من يأتي كتابه بيمينه من هذه الأمة أبو سلمة عبد الله بن الأسد وأول من يؤتي كتابه بشماله أخوه الأسود سود الله تعالى وجهه بعد أن يمد يمينه ليأخذه بها فيخلعها ملك، وسبب ذلك مذكور في السير.
* (ومن كان فى هاذه أعمى فهو فى الاخرة أعمى وأضل سبيلا) * * (ومن كان) * من المدعوين المذكورين * (في هذه) * الدنيا التي فعل بهم فيها من التكريم والتفضيل ما فعل * (أعمى) * لا يهتدي إلى طريق نجاته من النظر إلى ما أولاه مولاه جل علاه والقيام بحقوقه وشكره سبحانه بما ينبغي له عز شأنه من الايمان والعمل * (فهو في الآخرة) * التي عبر عنها - بيوم ندعو - * (أعمى) * لا يهتدي أيضا إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه لأن العمى الأول موجب للثاني وهو في الموضعين مستعار من آفة البصر.
وجوز أن يكون * (أعمى) * الثاني أفعل تفضيل من عمى البصيرة وهو من العيوب الباطنة التي يجوز أن يصاغ منها أفعل التفضيل كالأحمق والأبله، وبنى على ذلك إمالة أبي عمرو والأول وتفخيمه الثاني وبيان أن الألف في الأول آخر الكلمة كما ترى وتحسن الإمارة في الأواخر وهي في الثاني على تقدير كونه أفعل تفضيل كأنها في وسط الكلمة لأن أفعل المذكور غير معرف باللام ولا مضاف لا يستعمل بدون من الجارة للمفضل عليه ملفوظة أو مقدرة وهو معها في حكم الكلمة الواحدة ولا تحسن الإمارة فيها ولا تكثر كما في المتطرفة.
وقد صرح بذلك أبو علي في الحجة فلا يرد إمارة * (أدنى من ذلك. والكافرين) * وأن حمزة والكسائي. وأبا بكر يميلون الأعمى في الموضعين ولا حاجة إلى أن يقال: إنهم لا يرونه أفعل تفضيل أو أو الإمارة فيما يرونه كذلك للمشاكلة. وقال بعض المحققين: إنه لما أريد افتراق معني الأعمى في الموضعين افترق اللفظان إمالة وتفخيما وفخم الثاني لأن ما يدل على زيادة المعنى أولى بالتفخيم مع عدم حسن الإمالة فيه حسنها في الأول، ولا يظن بأبي على أنه يقول بامتناع الإمارة وإنما يقول بأولوية التفخيم.
وقال بعضهم: إن كان العمى فيما يكون للبصر وما يكون للبصيرة حقيقة فلا إشكال، وإن كان حقيقة في الأول وتجوز به عن الثاني ففيه إشكال إلا أن يقال: إنه ألحق بما وضع لذلك وقد منعه آخرون لأن العلة وهي الإلباس بالوصف موجودة فيه فتدبر، وقوى هذا التأويل بعطف قوله تعالى: * (وأضل سبيلا) * منه في الدنيا لزوال الاستعداد وعدم إمكان تدارك ما فات، وهذا بعينه هو الذي أوتي كتابه بشماله بدلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له، ولعل العدول إلى هذا العنوان للإيذان بالعلة الموجبة كما في قوله تعالى: * (وأما إن كان من المكذبين) * (الواقعة: 92) بعد قوله سبحانه: * (وأما إن كان من أصحاب اليمين) * (الواقعة: 90) وللرمز إلى علة حال الفريق الأول وفي ذلك ما هو من قبيل الاحتباك حيث ذكر في أحد الجانبين المسبب وفي الآخر السبب ودل بالمذكور في كل منهما