المطلقة من أفق الظهور غابوا ونسخت أحكامهم على نحو غيبوبة الكواكب وإنمحاق أنوارها وأضوائها عند طلوع الشمس من تحت الحجاب منخلعة عن الجلباب * (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) * (الإسراء: 57) لعلمهم بجماله وجلاله والرجاء والخوف جناحا من يطير إلى حضرة القدس وروضة الانس ومن عطل أحدهما تعطل عن الطيران * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * (الإسراء: 64) إلى قوله سبحانه * (وكفى بربك وكيلا) * (الإسراء: 65) فيه إشارة إلى اختلاف مراتب تمكن الشيطان من إغواء بني آدم فمن كان منهم ضعيف الاستعداد استفزه واستخفه بصوته فأغواه بوسوسة وهمس بل هاجسة ولمة، ومن كان قوي الاستعداد فإن كان خالصا عن شوائب الغيرية أو عن شوائب الصفات النفسانية لم يتمكن من إغوائه وهذا هو المراد بقوله تعالى: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * (الإسراء: 65) وإن لم يكن خالصا فإن كان منغمسا في الشواغل الحسية منهمكا في الأمور الدنيوية شاركه في أمواله وأولاده وحرضه على إشاركهم بالله تعالى في المحبة وسول له التمتع والتكاثر والتفاخر بهم ومناه الأماني الكاذبة وزين له الآمال الفارغة، وإن لم ينغمس فإن كان عالما بتسويلاته أجلب عليه بخيله ورجله أي مكر بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتاه بأن تحصيل أنواع الحطام والملاذ من جملة مصالح المعاش وغره بعلمه وحمله على الإعجاب به وأمثال ذلك حتى أضله على علم علم، وإن لم يكن عالما بل كان عابدا متناسكا أغواه بالوعد وغره برؤية الطاعة وتزكية النفس * (ولقد كرمنا بني آدم) * الآية قيل كرمهم تعالى بأن خلق أباهم آدم على صورة الرحمن وجعل لهم ذلك بحكم الوراثة وأن الولد سر أبيه وفضلهم على الكثير بأن جعل لهم من النعم ما يستغرق العد وجوز أن يقال: تكريمهم بأن بسط موائد الأنعام لهم وجعل من عداهم طفيليا، وتفضيلهم بما ذكر في التكريم أولا وفيه احتمالات أخر * (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) * أي نناديهم بنسبتهم إلى من كانوا يقتدون به في الدنيا لأنه المستعلي محبتهم إياه على سائر محباتهم * (فمن أوتي كتابه بيمينه) * أي من جهة العقل الذي هو أقوى جانبيه * (فأولئك يقرؤن كتابهم) * ويأخذون أجور أعمالهم المكتوبة فيه * (ولا يظلمون فتيلا) * (الإسراء: 71) أدنى شيء حقير من ذلك * (ومن كان في هذه أعمى) * عن الاهتداء إلى الحق فهو في الآخرة أعمى أيضا * (وأضل سبيلا) * (الإسراء: 72) لبطلان الكسب هناك وهذا الذي يؤتي كتابه بشماله أي من جهة النفس التي هي أضعف جانبيه إلا أنه عبر عنه بما ذكر لما قدمنا، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل، ثمإنه عز وجل لما عد نعمه على بني آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة وانقسامهم إلى قسمين سعداء وأشقياء أتبع ذلك بذكر بعض مساوي بعض الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبس على سيد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة صلى الله عليه وسلم وفي ذلك إشارة إلى أهم داخلون فمين عمى عن الاهتداء في الدنيا خولا أوليا فقال سبحانه وتعالى:
* (وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينآ إليك لتفترى علينا غيره وإذا لآتخذوك خليلا) * * (وإن كادوا ليفتنونك) * قيل نزلت في ثقيف قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نشعر ولا نحشر ولا نجبى في الصلاة وكل ربا لنا فهو لنا وكل ربا علينا فهو موضوع عنا وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا وجاكما حرمت مكة فإن قالت العرب: لم فعلت ذلك؟ فقل: إن ا تعالى أمرني، وروى ذلك الثعلبي عن ابن عباس ولم يذكر له سندا.
وقال العراقي فيه: إنا لم نجده في كتب الحديث؛ ونقله الزمخشري بزيادة، ونقل غيره أنهم طلبوا ثلاث خصال عدم التجبية في الصلاة وكسر أصنامهم بأيديهم وتمتيعهم باللات سنة من غير أن يعبدوها بل ليأخذوا ما يهدي لها فقال صلى الله عليه وسلم: " لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود " وأما كسر أصنامكم بأيديكم فذلك لكم