تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٤٦
في الفصيح ففي القرآن عدة آيات من ذلك؛ وفي الصحيح " فله سلبه أجمع. فصلوا جلوسا أجمعون " ولعل منشأ الزعم وجوب تقديم كل عند الاجتماع، ويرده أن النفس يجب تقديمها على العين إذا اجتمعا مع جواز التأكيد بالعين على الانفراد، وما ذكروه من وجوب تقديم كل إنما هو بناء على ما علمت من الحق لرعاية البساطة والتركيب هذا. ثم إنه قد تقدم الكلام في تحقيق أن سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الأمر التعليقي كما يقتضيه هذه الآية الكريمة أو على الأمر النتجيزي كما يستدعيه بعض الآيات فتذكر.
* (إلا إبليس أبى أن يكون مع الس‍اجدين) * .
* (إلا ابليس) * استثناء متصل ما لأنه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة فعد منهم تغليبا واما لأن من الملائكة جنسا يتوالدون يقال لهم جن وهو منهم وإما لأنه ملك لا جنى، وقوله تعالى: * (كان من الجنا) * (الكهف: 50) مؤول كما ستعلمه إن شاء الله تعالى، وقوله سبحانه: * (أبى أن يكون مع الساجدين) * استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستنثناء بناء على أنه من الاثبات نفي ومن النفي إثبات وهو الذي تميل إليه النفس فإن مطلق عدم السجود قد يكون مع التردد وبه علم أنه مع الإباء والاستكبار، وجوز أن يكون الاستثناء منقطعا فجملة * (أبي) * الخ متصلة بما قبلها، ووجه ذلك بأن إلا بمعنى لكن وإبليس اسمها، والجملة خبرها كذا قيل: وفي الهمع أن البصريين يقدرون المنقطع بلكن المشددة ويقولون: إنما يقدر بذلك لأنه في حكم جملة منفصلة عن الأولى فقولك: ما في الدار أحد الاحمارا في تقدير لكن فيها حمارا على أنه استدراك يخالف ما بعد لكن فيها ما قبلها غير أنهم اتسعوا فأجروا إلا مجرى لكن لكن لما كانت لا يقع بعدها إلا المفرد بخلاف لكن فإنه لا يقع بعدها إلا كلام تام لقبوه بالاستثناء تشبيها بها إذا كانت استثناء حقيقة وتفريقا بينها وبين لكن، والكوفيون يقدرونه بسوى، وقال قوم منهم ابن يسعون: إلا مع الاسم الواقع بعدها في المنقطع يكون كلاما مستأنفا، وقال في قوله: وما بالربع من أحد. الا الأواري - إلا فيه بمعنى لكن والأواري اس ملها منصوب بها والخبر محذوف كأنه قال: لكن الأواري بالربع وحذف خبر إلا كما حذف خبر لكن في قوله: ولكن زنجيا عظيم المشارف اه‍.
والظاهر منه أن البصريين وإن قدروه بلكن لا يعربونه هذا الإعراب فهو تقدير معنى لا تقدير إعراب، ولعل التوجيه السابق مبني على مذهب ابن يسعون إلا أنه لم يصرح فيه بورود الخبر مصرحا به، نعم صرح بعضهم بذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا المبحث في هذه السورة فافهم، ووجه الانقطاع ظاهر لأن المشهور أنه ليس من جنس الملائكة عليهم السلام، والانقطاع - على ما قال غير واحد - يتحقق بعدم دخوله في المستثنى منه أو في حكمه، وما قيل: إنه حينئذ لا يكون مأمورا بالسجود فلا يلزم والاعتذار عنه بأن الجن كانوا مأمورين أيضا واستغنى بذكر الملائكة عليهم السلام عنهم وأنه معنى الانقطاع وتوجه اللوم من ضيق العطن.
* (قال ياإبليس ما لك ألا تكون مع الس‍اجدين) * .
* (قال) * استئناف مبني على سؤال من قال: فماذا قال الرب تعالى عند آبائه؟ فقيل قال سبحانه: يا ابليس مالك) * أي أي سبب لك كما يقتضيه الجواب، وقوله تعالى: ما منعك * (ألا تكون) * أي في أن لا تكون * (مع الساجدين) * لما خلقت مع أنهم هم ومنزلتهم في الشرفق منزلتهم، وكأن في صيغة الاستقبال إيماء إلى مزيد قبح حاله، ولعل التوبيخ ليس لمجرد تخلفه عن أولئك الكرام بل لأمور حكيت متفرقة أشعارا بأن كلا منها كاف في التوبيخ وإظهار بطلان ما ارتكبه وشناعته، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسا في غير سورة اكتفاء بحكايتها في موضع آخر، والظاهر أن
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»