التي من جملتها المساواة بين الخالق وغيره، وكل من ذينك الستر والإفاضة نعمة وأيما نعمة، فالجملة تعليل للحكم بعدم الإحصاء، وتقديم المغفرة على الرحمة لتقدم التخلية على التحلية.
* (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) * .
* (والله يعلم ما تسرون) * أي تضمرونه من العقائد والأعمال * (وما تعلنون) * أي تظهرونه منهما، وحذف العائد لمراعاة الفواصل أي يستوي بالنسبة إلى علمه سبحانه المحيط الأمران، وفي تقديم الأول على الثاني تحقيق للمساواة على أبلغ وجه، وفي ذلك من الوعيد والدلالة على اختصاصه تعالى بصفات الإلهية ما لا يخفى، أما الأول: فلأن علم الملك القادر بمخالفة عبده يقتضي مجازاته، وكثيرا ما ذكر علم الله تعالى وقدرته وأريد ذلك، وأما الثاني: فبناء على ما قيل: إن تقديم المسند إليه في مثل ذلك يفيد الحصر، ومن هنا قيل: إنه سبحانه أبطل شركهم للأصنام أولا بقوله تعالى: * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * وأبطله ثانيا بقوله تبارك اسمه: * (والله يعلم) * الخ كأنه قيل: إنه تعالى عالم بذلك دون ما تشركون به فإنه لا يعلم ذلك بل لا يعلم شيئا أصلا فكيف يعد شريكا لعالم السر والخفيات.
وفي " الكشف " أن في الجملة الأولى إشعارا بأنه تعالى وما كلفهم حق الشكر لعدم الإمكان وتجاوز سبحانه عن الممكن إلى السهل الميسور، وفي الثانية: ما يشعر بأنه قصروا في هذا الميسور أيضا فاستحقوا العتاب.
* (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * .
* (والذين يدعون) * شروع في تحقيق أن آلهتهم بمعزل عن استحقاق العبادة وتوضيحه بحيث لا يبقى فيه شائبة ريب بتعداد أحوالها المنافية لذلك منافاة ظاهرة، وكأنها إنما شرحت مع ظهورها للتنبيه على كمال حماقة المشركين وأنهم لايعرفون ذلك إلا بالتصريح أي والآلهة الذين تعبدونهم أيها الكفار * (من دون الله) * سبحانه * (لا يخلقون شيئا) * من الأشياء أصلا أي ليس من شأنهم ذلك، وذكر بعض الأجلة أن ذكر هذا بعد نفي التشابه والمشاركة للاستدلال على ذلك فكأنه قيل: هم لا يخلقون شيئا ولا يشارك من يخلق من لا يخلق فينتج من الثالث هم لا يشاركون من يخلق ويلزمه أن من يخلق لا يشاركهم فلا تكرار، وقيل عليه: إنه مبني على أن من يخلق ومن لا مجرى على غير معين، ويفهم من سابق كلام هذا البعض أنه بني الكلام على أن الأول هو الله تعالى والثاني الأصنام، ويقتضي تقريره هناك عدم الحاجة إلى هذه المقدمة للعلم بها وكونها مفروغا عنها، فالوجه أن التكرار لمزاوجة قوله تعالى: * (وهم يخلقون) * وتعقب بأن المصرح به العموم في الموضعين وأما التخصيص فيهما بما ذكر فلأن من يخلق عندنا مخصوص به تعالى في الخارج اختصاص الكوكب النهاري بالشمس وإن عم باعتبار مفهومه، ومن لا يخلق وإن عم ذهنا وخارجا فتفسيره بمن عبد لاقتضاء المقام له، ومقتضى التقرير ليس عدم الحاجة إلى المقدمة بل هو كونها في غاية الظهور بحيث لا يحتاج إلى إثباتها وهذا مصحح لكونها جزأ من الدليل، وإذا ظهر المراد بطل الإيراد اه، ولعل الأوجه في توجيه الذكر ما أشرنا إليه أولا، وحيث أنه لا تلازم أصلا بين نفي الخالقين وبين المخلوقية أثبت ذلك لهم صريحا على معنى شأنهم أنهم يخلقون إذ المخلوقية مقتضى ذواتهم لأنها ممكنة مفتقرة في وجودها وبقائها إلى الفاعل، وبناء الفعل للمفعول - كما قال بعض الأجلة - لتحقيق التضاد والمقابلة بين ما أثبت لهم وما نفى عنهم من وصف الخالقية والمخلوقية وللإيذان بعدم الحاجة إلى بيان الفاعل لظهور اختصاص بفاعله جل جلاله، ولعل تقديم الضمير هنا لمجرد التقوى، والمراد بالخلق منفيا ومثيتا المعنى المتبادر منه.