بها على التفصيل بقوله تعالى: * (ويخلق ما لا تعلمون) * عقب ذكر الثمرات المنتفع بها بمثله * (إن في ذلك) * المذكور من إنزال الماء وإنزال ما فصل * (لآية) * عظيمة دالة على تفرده تعالى بالإلهية لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة * (لقوم يتفكرون) * فإن من تفكر في أن الحبة والنواة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أسفلها فيخرج منه عروق تنبسط في الأرض وربما انبسطت فيها وإن كانت صلبة وينشق أعلاها وإن كانت منتكسة في الوقوع فيخرج منها ساق فينمو فيخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع وعلى نواة قابلة لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية مع اتحاد الماء والأرض والهواء وغيرها بالنسبة إلى الكل علم أن من هذه آثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال فضلا عن أن يشاركه في أخص صفاته التي هي الألوهية واستحقاق العبادة أخس الأشياء كالجماد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولله تعالى در من قال: تأمل في رياض الورد وانظر * إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات * على أهدابها ذهب سبيك على قضب الزبر جد شاهدات * بأن الله ليس له شريك وحيث كان الاستدلال بما ذكر لاشتماله على أمر خفي محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد ختم الآية بالتفكر.
* (وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون) * .
* (وسخر لكم الليل والنهار) * يتعاقبان خلفة لمنامكم واستراحتكم وسعيكم في مصالحكم من الأسامة وتعهد حال الزرع ونحو ذلك * (والشمس والقمر) * يدأبان في سيرهما وإنارتهما إصالة وخلافة وأدائهما ما نيط بهما من تربية الأشجار والزروع وإنضاج الثمرات وتلوينها وغير ذلك من التأثيرات المترتبة عليهما بإذن الله تعالى حسبما يقوله السلف في الأسباب والمسببات، وليس المراد بتسخير ذلك للمخاطبين تمكينهم من التصرف به كيف شاؤا كما في قوله تعالى: * (سبحان الذي سخر لنا هذا) * (الزخرف: 13) ونحوه بل تصريفه سبحانه لذلك حسبما يترتب عليه منافعهم ومصالحهم كأن ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب إرادتهم قاله بعض المحققين.
وقال آخرون: إن أصل التسخير السوق قهرا ولا يصح إرادة ذلك لأن القهر والغلبة مما لا يعقل فيما لا شعور له من الجمادات كالشمس والقمر وعدم تعقله في نحو الليل والنهار أظهر من ذلك فهو هنا مجاز عن الإعداد والتهيئة لما يراد من الانتفاع، وفي ذلك إيماء إلى ما في المسخر من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين.
وذكر الإمام في المراد من التسخير نحو ما ذكر أولا ثم ذكر وجها آخر قال فيه: إنه لا يستقيم إلا على مذهب أصحاب الهيئة وهو أنهم يقولون: الحركة الطبيعية للشمس والقمر هي الحركة من المغرب إلى المشرق فالله تعالى سخر هذه الكواكب بواسطة حركة الفلك الأعظم من المشرق إلى المغرب فكانت هذه الحركة قسرية فلذا ورد فيها لفظ التسخير، وذكر أيضا أن حدوث الليل والنهار ليس إلا بسبب حركة الفلك الأعظم دون حركة الشمس وأما حركتها فهي سبب لحدوث السنة ولذا لم يكن ذكر الليل والنهار مغنيا عن ذكر الشمس اه؛ ولا يعترض عليه بأن ما ذكره من قوله: إن حدوث الليل والنهار إلى آخره لا يتأتى في عرض تسعين لأن الليل والنهار لا يحصلان إلا بغروب الشمس وطلوعها وهي هناك لا تغرب ولا تطلع بحركة الفلك الأعظم بل بحركتها الخاصة ولذا كانت