تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٢
الوعيد بالجزاء عليه، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع - بلا جرم - بناء على ما ذهب إليه الخليل. وسيبويه. والجمهور من أنها اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر وبعد التركيب صار معناها معنى فعل وهو حق فهي مؤولة بفعل. وأبو البقاء يؤولها بمصدر قائم مقامه وهو حقا، وقيل: مرفوع - بجرم - نفسها على أنها فعل ماض بمعنى ثبت ووجب و * (لا) * نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه: * (لا أقسم) * على وجه. وذهب الزجاج إلى أنه منصوب على المفعولية - لجرم - على أنها فعل أيضا لكن بمعنى كسب وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق ولا كما في القول السابق، وقيل: إنه خبر * (لا) * حذف منه حرف الجر و * (جرم) * اسمها، والمعنى لا صدأ ولا منع في أن الله يعلم الخ، وقد مر تمام الكلام في ذلك.
وقرأ عيسى الثقفي * (إن) * بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله على ما قال أبو حيان، ونقل عن بعضهم أنه قد يغني * (لا جرم) * عن القسم تقول: لا جرم لآتينك وحينئذ فتكون الجملة جواب القسم * (إنه) * جل جلاله * (لا يحب المستكبرين) * أي مطلقا ويدخل فيه من استكبر عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليه دخولا أوليا، وجوز أن يراد به أولئك المستكبرون والأول أولى، وأيا ما كان فالاستفعال ليس للطلب مثله فيما تقدم، وجوز كونه عاما مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلب الكبر فضلا عمن اتصف به، وقد فرق الراغب بين الكبر والتكبر والاستكبار بعد القول بأنها متقاربة، والحق أنه قد يستعمل بعضها موضع بعض، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك آنفا وأظنه قد تقدم أيضا؛ والجملة تعليل لما تضمنه الكلام السابق من الوعيد، والمراد من نفي الحب البغض وهو عند البعض مؤول بنحو الانتقام والتعذيب، والأخبار الناطقة بسوء حال المتكبر يوم القيامة كثيرة جدا.
* (وإذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم قالوا أس‍اطير الاولين) *.
* (وإذا قيل لهم) * أي لأولئك المستكبرين، وهو بيان لإضلالهم غب بيان ضلالهم، وقيل: الضمير لكفار قريش الذين كانوا - كما روي عن قتادة - يقعدون بطريق من يغدو على النبي صلى الله عليه وسلم ليطلع على جلية أمره فإذا مر بهم قال لهم: * (ماذا أنزل ربكم) * على محمد عليه الصلاة والسلام * (قالوا أس‍اطير الأولين) * أي ما كتبه الأولون كما قالوا: * (اكتتبها فهي تملى عليه) * (الفرقان: 5) فالأساطير جمع اسطار جمع سطر فهو جمع الجمع؛ وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة وأراجيح ومقصودهم من ذلك أنه لا تحقيق فيه، وقيل: القائل لهم بعض المسلمين ليعلموا ما عندهم وقيل: القائل بعضهم على سبيل التهكم وإلا فهو لا يعتقد إنزال شيء، ومثل هذا يقال في الجواب عن تسميته بالمنزل في الجواب بناءا على تقدير المبتدأ فيه ذلك، ويجوز أن يسموه بما ذكر على الفرض والتسليم ليردوه كقوله: * (هذا ربي) * وقيل: قدروه منزلا مجاراة ومشاكلة.
وفي " الكشاف " أن * (ماذا) * منصوب - بأنزل - أي أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع بالابتداء بمعنى أي شيء أنزله ربكم، فإذا نصبت فمعنى * (أساطير الأولين) * ما تدعون نزوله ذلك، وإذا رفعت فالمعنى المنزل ذلك كقوله تعالى: * (ماذا ينفقون قل العفو) * (البقرة: 219) فيمن رفع اه‍، وقد خفي تحقيق مرامه على بعض المحققين، فقد قال صاحب الفرائد: الوجه أن يكون مرفوعا بالابتداء بدليل رفع * (أساطير) * فإن جواب المرفوع مرفوع وجواب المنصوب منصوب ولم يقرأ أحد هنا بالنصب.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»