تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٩٣
لشمول الأفراد باعتبار شمول جمع القلة للأفراد وجمع الكثرة لجموع القلة فكل منهما جمع جبل لا أن جبالا جمع أجبل اه‍.
وتعقب بأنه لعل من قال: إن الرواسي هنا جمع راسية صفة أجبل لا يلتزم ما ذكر وأنه إذا صح إطلاق أجبل راسية على جبال قطر مثلا صح إطلاق الجبال على جبال جميع الأقطار من غير اعتبار جعل الجبال جميعا لجموع القلة نعم لا يصح أن يكون جبال جمع أجبل لأنه يصير حينئذ جمع الجمع وهو خلاف ما صرح به أهل اللغة. وجعل راسية صفة جبل لا أجبل والتاء فيه للمبالة لا للتأنيث كما في - علامة - يرد عليه أن تاء المبالغة في فاعلة غير مطرد. وقال أبو حيان: إنه غلب على الجبال وصفها بالرواسي ولذا استغنوا بالصفة عن الموصوف وجمع جمع الاسم كحائط وحوائط وهو مما لا حاجة إليه لما سمعت، وأورد عليه أيضا أن الغلبة تكون بكثرة الاستعمال والكلام في صحته من أول الأمر ففيما ذكر دور، وأجيب بأن كثرة استعمال الرواسي غير جار على موصوف يكفي لمدعاه وفيه تأمل، وكذا لا حاجة إلى ما قيل: إنه جمع راسية صفة جبل مؤنث باعتبار البقعة وكل ذلك ناشيء من الغفلة عما ذكره محققو علماء العربية، هذا والتعبير عن الجبال بهذا العنوان لبيان تفرع قرار الأرض على ثباتها، وفي " الخبر " " لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد فخلق الله تعالى الجبال عليها فاستقرت فقالت الملائكة: ربنا خلقت خلقا أعظم من الجبال؟ قال: نعم الحديد، فقالوا: ربنا خلقت خلقا أعظم من الحديث؟ قال: نعم النار، فقالوا: ربنا خلقت خلقا أعظم من النار؟ قال: نعم الماء فقالوا: ربنا خلقت خلقا أعظم من الماء؟ قال: نعم الهواء، فقالوا: ربنا خلقت خلقا أعظم من الهواء؟ قال نعم ابن آدم يتصدق الصدقة بيمينه فيخفيها عن شماله " وأول جبل وضع على الأرض كما أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء أبو قبيس، ومجموع ما يرى عليها من الجبال مائة وسبعة وثمانون جبلا وأبى الفلاسفة كون استقرار الأرض بالجبال واختلفوا في سبب ذلك فالقائلون بالكرية منهم من جعله جذب الفلك لها من جميع الجوانب فيلزم أن تقف في الوسط كما يحكى عن صنم حديدي في بيت مغناطيسي الجوانب كلها فإنه وقف في الوسط لتساوي الجذب من كل جانب. ورد بأن الأصغر أسرع انجذابا إلى الجاذب من الأكبر فما بال المدرة لا تنجذب إلى افلك بل تهرب عنه إلى المركز، وأيضا إن الأقرب أولى بالانجذاب من الأبعد فالمدرة المقذوفة إلى فوق أولى بالانجذاب على أصلهم فكان يجب أن لا تعود، ومنهم من جعله دفع الفلك بحركته لها من كل الجوانب كما إذا جعل شيء من التراب في قارورة كرية ثم أديرت على قطبيها إدارة سريعة فإنه يعرض وقوف التراب في وسطها لتساوي الدفع من كل جانب ورد بأن الدفع إذا كانت قوته هذه القوة فما باله لا يحس به، وأيضا ما بال هذا الدفع لا يجعل حركة الرياح والسحب إلى جهة بعينها، وأيضا ما باله لم يجعل انتقالنا إلى المغرب أسهل من انتقالنا إلى المشرق، وأيضا يجب أن تكون حركة الثقيل كلما كان أعظم أيضا لأن اندفاع الأعظم من الدافع أبطأ من اندفاع الأصغر، وأيضا يجب أن تكون حركة الثقيل النازل ابتداء أسرع من حركته انتهاء لأنه عند الابتداء أقرب إلى الفلك، وغير القائلين بها منهم من جعلها غير متناهية من جانب السفل وسبب سكونها عندهم أنها لم يكن لها مهبط تنزل فيه، ويرد دليل تناهي الأجسام، ومنهم من قال بتناهيها وجعل السبب طفوها على الماء إما مع كون محدبها فوق ومسطحها أسفل وأما مع العكس، ورد بأن مجرد الطوف لا يقتضي السكون على أن فيه عند الفلاسفة بعدما فيه، وذهب
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»