تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٩
عند التجهيز ولا الحث عليه بإيفاء الكيل ولا الإحسان في الإنزال ولا الاقتصار على منع الكيل من غير ذكر الرسالة على أن استبقاء شمعون لو وقع لكان ذلك طامة ينسى عندها كل قيل، وقال بعضهم: إنه يضعف الخبر اشتماله على بهت إخوته بجعلهم جواسيس إلا أن يقال: إن ذلك كان عن وحي.
وقال ابن المنير: إن ذلك غير صحيح لأنه إذا ظنهم جواسيس كيف يطلب منهم واحدا من إخوتهم وما في النظم الكريم يخالفه وأطال في ذلك. وتعقب بأنه ليس بشيء لأنهم لما قالوا له: إنهم أولاد يعقوب عليه السلام طلب أخاهم وبه يتضح الحال. وأخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس أنهم لما دخلوا عليه عليه السلام فعرفهم وهم له منكرون جاء بصواع الملك الذي كان يشرب فيه فوضعه على يده فجعل ينقره ويطن وينقره ويطن فقال: إن هذه الجام ليخبرني خبرا هل كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وكان أبوه يحبه دونكم وإنكم انطلقتم به فالقيتموه في الجب وأخبرتم أباكم أن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب؟ قال: فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويعجبون أن الجام يخبر بذلك، وفيه مخالفة للخبر السابق، وفي الباب أخبار أخر وكلها مضطربة فليقصر على ما حكاه الله تعالى مما قالوا ليوسف عليه السلام وقال: * (ألا ترون أني أوفي الكيل) * أتمه لكم، وإيثار صيغة الاستقبال مع كون هذا الكلام بعد التجهيز للدلالة على أن ذلك عادة مستمرة * (وأنا خير المنزلين) * جملة حالية أي ألا ترون أني أوف الكيل لكم إيفاء مستمرا والحال أني في غاية الإحسان في إنزالكم وضيافتكم وكان الأمر كذلك، ويفهم من كلام بعضهم التعميم في الجملتين بحيث يندرج حينئذ في ذلك المخاطبون، وتخصيص الرؤية بالإيفاء لوقوع الخطاب في أثنائه، وأما الإحسان في الإنزال فقد كان مستمرا فبما سبق ولحق ولذلك أخبر عنه بالجملة الإسمية، ولم يقل ذلك عليه السلام بطريق الامتنان بل لحثهم على تحقيق ما أمرهم به، والاقتصار في الكيل على ذكر الإيفاء لأن معاملته عليه السلام معهم في ذلك كمعاملته مع غيرهم في مراعاة مواجب العدل، وأما الضيافة فليس للناس فيها حق فخصهم في ذلك بما يشاء قاله شيخ الإسلام.
* (فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون) * .
* (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي) * إيعاد لهم على عدم الإتيان به، والمراد لا كيل لكم في المرة الأخرى فضلا عن إيفائه * (ولا تقربون) * أي لا تقربوني بدخول بلادي فضلا عن الإحسان في الإنزال والضيافة، وهو إما نهى أو نفي معطوف على التقديرين على الجزاء، وقيل: هو على الأول استئناف لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر. وأجيب بأن العطف مغتفر فيه لأن النهي يقع جزاء، وفيه دليل على أنهم كانوا على نية الامتياز مرة بعد أخرى وأن ذلك كان معلوما له عليه السلام، والظاهر أن ما فعله معهم كان بوحي وإلا فالبر يقتضي أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه لكن الله سبحانه أراد تكميل أجر يعقوب في محنته وهو الفعال لما يريد في خليقته.
* (قالوا سنراود عنه أباه وإنا لف‍اعلون) * .
* (قالوا سنراود عنه أباه) * أي سنخادعه ونستميله برفق ونجتهد في ذلك، وفيه تنبيه على عزة المطلب وصعوبة مناله * (وإنا لفاعلون) * أي إنا لقادرون على ذلك لا نتعايا به أو إنا لفاعلون ذلك لا محالة ولا نفرط فيه ولا نتوانى، والجملة على الأول تذييل يؤكد مضمون الجملة الأولى ويحقق حصول الموعود من إطلاق المسبب - أعني الفعل - على السبب - أعني
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»