التسامح مع أنه قيل: إنه متعلق بفعل محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير ألا يصرف عنهم العذاب أو يلازمهم يوم يأتيهم، ومنهم من جعله متعلقا - بيخافون - محذوفا أي ألا يخافون يوم الخ، وقيل: هو مبتدأ لا متعلق - بمصروفا - ولا بمحذوف، وبني على الفتح لإضافته للجملة، ونظير ذلك قوله سبحانه: * (هذا يوم ينفع الصادقين) * (المائدة: 119) على قراءة الفتح، وأنت تعلم أن في بناء الظرف المضاف لجملة صدرها مضارع معرف خلافا بين النحاة، وأن الظاهر تعلقه - بمصروفا - نعم عدم صلاحية الآية للاحتجاج مما لا ريب فيه، وفي البحر قد تتبعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر ليس عليها ولا بتقديم معموله إلا ما دل عليه ظاهر هذه الآية الكريمة، وقول الشاعر:
فيأبى فما يزداد إلى لجاجة * وكنت أبيا في الخنى لست أقدم * (وحاق بهم) * أي نزل وأحاط، وأصله حق فهو - كزل وزال. وذم وذام - والمراد يحيق بهم.
* (ما كانوا به يستهزءون) * إلا أنه عبر بالماضي لتحقق الوقوع، والمراد بالموصول العذاب وعبر به عنه تهويلا لمكانه، وإشعارا بعلية ما ورد في حيز الصلة من استهزائهم به لنزوله وإحاطته ووضع الاستهزاء موضع الاستعجال لأنه كان استهزاءا.
* (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور) * * (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة) * أي أعطيناه نعمة من صحة. وأمن. وجدة. وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذتها فالاذاقة مجاز عن هذا الإعطاء * (ثم نزعنها) * أي سلبنا تلك الرحمة * (منه) * صلة النزع، والتعبير به للاشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليه * (إنه ليؤوس) * شديد اليأس كثيره قطوع رجاءه من عود مثل تلك النعمة عاجلا أو آجلا بفضل الله تعالى لعدم صبره وتوكله عليه سبحانه وثقته به.
* (كفور) * كثير الكفران لما سلف لله تعالى عليه من النعم، وتأخير هذا الوصف عن وصف يأسهم لرعاية الفواصل على أن اليأس من باب الكفران للنعمة السالفة أيضا.
* (ولئن أذقناه نعمآء بعد ضرآء مسته ليقولن ذهب السيئات عنيإنه لفرح فخور) * * (ولئن أذقناه نعمآء) * كصحة. وأمن. وجدة * (بعد ضرآء مسته) * كسقم وخوف وعدم، وفي إسناد الإذاقة إليه تعالى دون المس إشعار بأن إذاقة النعمة مقصودة بالذات دون مس الضر بل هو مقصود بالعرض، ومن هنا قال بعضهم: إنه ينبغي أن تجعل - من - في قوله سبحانه: * (منه) * للتعليل أي نزعناها من أجل شؤمه وسوء صنيعه وقبح فعله ليكون منا، و * (منه) * مشيرا إلى هذا المعنى ومنطبقا عليه كما قال سبحانه: * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * (النساء: 79) ولا يخفى أن تفسير * (منه) * بذلك خلاف الظاهر المتبادر ولا ضرورة تدعو إليه، وإنما لم يؤت ببيان تحول النعمة إلى الشدة وبيان العكس على طرز واحد بل خولف التعبير فيهما حيث بدىء في الأول باعطاء النعمة وإيصال الرحمة ولم يبدأ في الثاني بإيصال الضر على نمطه تنبيها على سبق الرحمة على الغضب واعتناءا بشأنها، وفي التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق المؤذن على ما قيل بلذتهما وكونهما مما يرغب فيه وعن ملابسة الضراء بالمس المشعر بكونها في أدنى ما يطلق عليه اسم اللاقاة من مراتبها من اللطف ما لا يخفى، ولعله يقوي عظم شأن الرحمة.
وذكر البعض أن في لقظ الإذاقة والمس بناءا على أن الذوق ما يختبر به الطعوم، والمس أول الوصول تنبيها على أن ما يجد الإنسان في الدنيا من المنح والمحن نموذج لما يجده في الآخرة، وأنه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء * (ليقولن ذهب السيئات عني) * أي المصائب التي تسوؤني ولن يعتريني بعد أمثالها * (إنه لفرح) *