تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١١
والاستعارة، ولا يصح إرادة المعنى الحقيقي لأنه إنما يكون لمن لا يعرف عواقب الأمور.
وقيل: إنه مجاز مرسل عن العلم للتلازم بين العلم والاختبار، وهو محوج إلى تكلف أن يراد ليظهر تعلق علمه الأزلي وإلا فالعلم القديم الذاتي ليس متفرعا على غيره، وما تقدم لا تكلف فيه، وهو مع بلاغته مصادف محزه، والمراد بالعمل ما يشمل عمل القلب وعمل القالب، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن جرير. وابن أبي حاتم. والحاكم في التاريخ. وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية * (ليبلوكم) * الخ فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: ليبلوكم أيكم أحسن عقلا، ثم قال: وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله تعالى وأعملكم بطاعة الله تعالى " لكن ذكر الحافظ السيوطي أن سنده واه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان أن معنى * (أحسن عملا) * أزهد في الدنيا، وعن مقاتل أتقي لله تعالى، وعن الضحاك أكثرهم شكرا، ولعل أخذ العمل شاملا للأمرين أولى، وأفضلها ما كان عمل القلب كيف لا ومدار العبادة القالبية الواجبة على العباد معرفة الله تعالى التي تحل القلب، وقد يرفع به للعبد في يوم مثل عمل أهل الأرض.
وفي بعض الآثار " تفكر ساعة يعدل عبادة سبعين سنة " واعبتار خلق السموات في ضمن المفرع عليه لما أن في السموات مما هو من مبادي النظر وتهيئة أسباب المعاش الأرضية التي بها قوام القالب ما لا يخفى، وقريب من هذا أن ذكر السموات وخلقها لتكون أمكنة الكواكب والملائكة العاملين فيها لأجل الإنسان.
وقال بعض المحققين. إن كون خلق الأرض وما فيها للابتلاء ظاهر، وأما خلق السموات فذكر تتميما واستطرادا مع أن السموات مقر الملائكة الحفظة وقبلة الدعاء ومبهط الوحي إلى غير مما له دخل في الابتلاء في الجملة، ولعل ما أشير إليه أولا أولى، وجملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني لفعل البلوي على المشهور، وجعل في الكشاف الفعل هنا معلقا لما فيه من معنى العلم، ومنع في سورة الملك تسمية ذلك تعلقا مدعيا أنه إنما يكون إذا وقع بعد الفعل ما يسد مسد المفعولين جميعا - كعلمت أيهما فعل كذا. وعلمت أزيد منطلق - وبين كلاميه في السورتين اضطراب بحسب الظاهر، وأجاب عنه في الكشف بما حاصله أن للتعليق معنيين: مصطلح ويعدى بعن وهو المنفى في تلك السورة. ولغوي ويعدى بالباء وعلى، وهو خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين ولا يكون إلا في الاستفهام خاصة دون ما فيه لام الابتداء ونحوه، ومعنى تعليق الفعل على ما فيه ذلك أن يرتبط به معنى وإعرابا سواء كان لفظا أو محلا وهو المثبت ههنا، وقال الطيبي: يمكن أن يكون ما هنا على إضمار العلم كأنه قيل: * (ليبلوكم) * فيعلم * (أيكم أحسن عملا) * والتعليق فيه ظاهر، وما هناك على تضمين الفعل معنى العلم كأنه قيل: ليعلمكم أيكم الخ فيصح النفي، ولا يخفى على من راجع كلامه أن فيه ما يأبى ذلك، وقد يقال: إن التعليق لا يختص بما كان من الأفعال بمعنى العلم كما ذهب إليه ثعلب. والمبرد. وابن كيسان، وإن وجهه أويس بما في همع الهوامع، ورجحه الشلوبين، ولا بالفعل القلبي مطلقا بل يكون فيه وفي غيره مما ألحق به لكن من الاستفهام خاصة، واقتصر بعضهم في الملحق على بصر. وتفكر. وسأل - وزاد ابن خروف نظر - ووافقه ابن عصفور. وابن مالك، وزاد الأخير نسى كما في قوله: ومن أنتم إنا نسينا من أنتم ونازعه أبو حيان بأن - من - تحتمل الموصولية والعائد محذوف أي من هم أنتم، وكذا زاد أيضا ما قارب المذكورات من الأفعال التي لها تعلق بفعل القلب - كترى البصرية - في قوله: أما ترى أي برق هنالك، وكيستنبئون في قوله تعالى:
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»