فأمر مترتب على ذلك فيكون مما انتهى إليه المشي بالواسطة والتضعيف في * (يسير) * للتعدية تقول سار الرجل وسيرته، وقال الفارسي: إن سار متعد كسير لأن العرب تقول سرت الرجل وسيرته بمعنى، ومنه قول الهذلي: فلا تجزعي من سنة أنت سرتها * فأول راض سنة من يسيرها وقال في " الصحاح ": سارت الدابة وسارها صاحبها يتعدى ولا يتعدى وأنشد له هذا البيت، وأوله النحويون حيث لم يرتضوا ذلك، و * (الفلك) * السفن ومفرده وجمعه واحد وتغاير الحركات بينهما اعتباري، وفي " الصحاح " أنه واحد وجمع يذكر ويؤنث وكأن ذلك باعتبار المركب والسفينة، وكان سيبويه يقول: الفلك التي هي جمع تكسير للفلك الذي هو واحد وليست مثل الجنب الذي هو واحد وجمع والطفل وما أشبههما من الأسماء لأن فعلا وفعلا يشتركان في الشيء الواحد مثل العرب والعرب والعجم والعجم والرهب والرهب فحيث جاز أن يجمع فعل على فعل مثل أسد وأسد لم يمتنع أن يجمع فعل على فعل، وضمير * (جرين) * للفلك وضمير * (بهم) * لمن فيها وهو التفات للمبالغة في تقبيح حالهم كأنه أعرض عن خطابهم وحكى لغيرهم سوء صنيعهم، وقيل: لا التفات بل معنى قوله سبحانه: * (حتى إذا كنتم في الفلك) * حتى إذا كان بعضكم فيها إذ الخطاب للكل ومنهم المسيرون في البر فالضمير الغائب عائد إلى ذلك المضاف المقدر كما في قوله تعالى: * (أو كظلمات في بحر لجى يغشاه موج) * (النور: 40) فإنه في تقدير أو كذي ظلمات يغشاه موج، والباء الأولى للتعدية والثانية وكذا الثالثة للسببية فلذا تعلق الحرفان بمتعلق واحد، وإلا فقد منعوا تعلق حرفين بمعنى بمتعلق واحد، واعتبار تعلق الثاني بعد تعلق الأول به وملاحظته معه يزيل اتحاد المتعلق.
وجوز أن تكون الثانية للحال أي جرين بهم ملتبسة بريح فتتعلق بمحذوف كما في البحر، وقد تجعل الأولى للملابسة أيضا * (وفرحوا) * عطف على * (جرين) * هو عطف على * (كنتم) * وقد تجعل حالا بتقدير قد وضمير * (بها) * للريح ونقل الطبرسي القول برجوعه للفلك ولا يكاد يجري به القلم، والمراد بطيبة حسبما يقتضيه المقام لينة الهبوب موافقة المقصد.
وظاهر الآية - على ما نقل عن الإما - يقتضي أن راكب السفينة متحرك بحركتها خلافا لمن قال: إنه ساكن، ولا وجه كما قال بعض المحققين لهذا الخلاف فإنه ساكن بالذات سائر بالواسطة. وقرأ ابن عامر * (ينشركم) * بالنون والشين المعجمة والراء المهملة من النشر ضد الطي أي يفرقكم ويبثكم، وقرأ الحسن * (ينشركم) * من أنسر بمعنى أحيا. وقرأ بعض الشاميين * (ينشركم) * بالتشديد للتكثير من النشر أيضا، وعن أم الدرداء أنها قرأت * (في الفلكي) * بزيادة ياءي النسب، ووجه ذلك بأنهما زائدتان كما في الخارجي والأحمري ولا اختصاص لذلك في الصفات لمجىء دودوي وأنا الصلتاني في قول الصلتان، ويجوز أن يراد به اللج والماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلا فيه، وقوله سبحانه: * (جاءتها) * جواب * (إذا) * والضمير المنصوب للفلك أو للريح الطيبة على معنى تلقتها واستولت عليها من طرف مخالف لها فإن الهبوب على وفقها لا يسمى على ما قيل مجيئا لريح أخرى عادة بل هو اشتداد للريح الأولى، ورجح الثاني بأنه الأظهر لاستلزامه للأول من غير عكس لأن الهبوب على طريقة الريح اللينة يعد مجيئا بالنسبة إلى الفلك دون الريح اللينة مع أنه لا يستتبع تلاطم لأمواج الموجب لمجيئها من كل مكان ولأن التهويل في بيان استيلائها على ما فرحوا به وعلقوا به حبال