عن الشرك في الوجود بفنائهم * (وتحيتهم) * أي تحية بعضهم لبعض أو تحية لله تعالى * (فيها سلام) * أي إفاضة أنوار التزكية وإمداد التصفية أو إشراق أنوار التجليات وإمداد التجريد وإزالة الآفات * (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) * (يونس: 10) أي آخر ما يقتضيه استعدادهم قيامهم بالله تعالى في ظهور كمالاته وصفات جلاله وجماله عليهم وهو الحمد الحقيقي منه وله سبحانه * (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) * أو استغرق أوقاته في الدعاء * (فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) * (يونس: 12) هذا وصف الذين لم يدركوا حقائق العبودية في مشاهد الربوبية فإنهم إذا أظلم عليهم ليل البلاء قاموا إلى إيقاد مصباح التضرع فإذا انجلت عنهم الغياهب بسطوع أنوار فجر الفرج نسوا ما كانوا فيه ومروا كأن لم يدعوا مولاهم إلى كشف ما عناهم. كأن الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى * ولم يك صعلوكا إذا ما تمولا ولو كانوا عارفين لم يبرحوا دارة التضرع وإظهار العبودية بين يديه تعالى في كل حين * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * على الفطرة التي فطر الله الناس عليها متوجهين إلى التوحيد متنورين بنور الهداية الأصلية * (فاختلفوا) * بمقتضيات النشأة واختلاف الأمزجة والأهوية والعادات والمخالطات * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * وهو قضاؤه سبحانه الأزلي بتقدير الآجال والأرزاق * (لقضى بينهم فيما فيه يختلفون) * (يونس: 19) بإهلاك المبطل وإبقاء المحق، والمراد أن حكمة الله تعالى اقتضت أن يبلغ كل منهم وجهته التي ولى وجهه إليها بأعماله التي يزاولها هو وإظهار ما خفي في نفسه وسبحان الحكيم العليم.
* (ويقولون لولا أنزل عليه ءاية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين) * * (ويقولون) * حكاية لجناية أخرى لهم، وفي " الكشاف " تفسير المضارع بالماضي أي وقالوا وجعل ذلك إشارة إلى أن العطف ليس على * (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا) * (يونس: 18) كما يقتضيه ظاهر اللفظ وإنما هو على قوله سبحانه: * (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا) * (يونس: 15) وما بينهما اعتراض وأوثر المضارع على الماضي ليؤذن باستمرار هذه المقالة وأنها من دأبهم وعادتهم مع ما في ذلك من استحضار صورتها الشنيعة.
وجوز العطف على * (يعبدون) * وهو الذي اقتصر عليه بعض المحققين، وأبقى بعضهم الفعل على ظاهره وله وجه، والقائل كفار مكة * (لولا أنزل عليه آية من ربه) * أرادوا آية من الآيات التي اقترحوها كآية موسى. وعيسى عليهما السلام، ومعنى إنزالها عليه إظهار الله تعالى لها على يده صلى الله عليه وسلم، وطلبوا ذلك تعنتا وعنادا وإلا فقد أتى صلى الله عليه وسلم بآيات ظاهرة ومعجزات باهرة تعلو على جميع الآيات وتفوق سائر المعجزات لا سيما القرآن العظيم الباقي إعجازه على وجه الدهر إلى يوم القيامة، ولعمري لو أنصفوا لاستغنوا عن كل آية غيره عليه الصلاة والسلام فإنه الآية الكبرى ومن رآه وسبر أحواله لم يكد يشك في أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فقل) * لهم في الجواب * (إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * وهو جواب على ما قرره الطيبي على الأسلوب الحكيم فإنهم حين طلبوا ما طلبوا مع وجود الآيات المتكاثرة دل على أن سؤالهم للتعنت كما علمت آنفا فأجيبوا بما أجيبوا ليؤذن بأن سؤالهم سؤال المقترحين يستحقون به نقمة الله تعالى وحلول عقابه، يعني أنه لا بد أن يستأصل شأفتكم لكن لا أعلم متى يكون وأنتم كذلك لأن ذلك من الغيب وهو مختص به تعالى لا يعلمه أحد غيره جل شأنه وإذا كان كذلك فانتظروا ما يوجبه اقتراحكم إني معكم من المنتظرين إياه، وقيل: إن المراد أنه تعالى هو المختص بعلم الغيب والصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب فلا يعلمه إلا هو، واعترض عليه بأنه معين وهو عنادهم قال تعالى: * (وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) * (الأنعام: 109).