تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٠٧
أنه يكون متعديا وسمعوا من العرب مكانك زيدا أي انتظره. واختار الدماميني في " شرح التسهيل " عدم كونه اسم فعل فقال: لا أدري ما الداعي إلى جعل هذا الظرف اسم فعل إما لازما وإما متعديا وهلا جعلوه ظرفا على بابه ولم يخرجوه عن أصله أي أثبت مكانك أو انتظر مكانك. وإنما يحسن دعوى اسم الفعل حيث لا يمكن الجمع بين ذلك الاسم وذلك الفعل نحوصه وعليك وإليك، وأما إذا أمكن فلا كوراءك وأمامك وفيه منع ظاهر.
وقوله تعالى: * (أنتم) * توكيد للضمير المنتقل إلى الظرف من عامله على القول الأول وللضمير المستتر في اسم الفعل على القول الثاني، وقوله سبحانه: * (وشركاؤكم) * عطف على ذلك، وقيل: إن * (أنتم) * مبتدأ خبره محذوف أي مهانون أو مجزيون وهو خلاف الظاهر مع ما فيه من تفكيك النظم، قيل: ولأنه يأباه قراءة وشركاءكم بالنصب إذ يصير حينئذ مثل - كل رجل وضيعته - ومثله لا يصح فيه ذلك لعدم ما يكون عاملا فيه، والعامل على التوجيه الأول ظاهر لمكان * (مكانكم) * * (فزيلنا بينهم) * أي ففرقنا، وهو من زلت الشيء عن مكانه أزيله أي أزلته، والتضعيف للتكثير لا للتعدية، وهو يائى ووزنه فعل بدليل زايل، وقد قرىء به وهو بمعناه نحو كلمته وكالمته وصعر خده وصاعر خده.
وقال أبو البقاء: إنه واوى لأنه من زال يزول، وإنما قلبت الواو ياءا لأنه فيعل، والأول أصح لما علمت ولأن مصدره التزييل لا الزيولة مع أن فعل أكثر من فيعل، ونصب - بين - على الظرفية لا على أنه مفعول به كما توهم، والمراد بالتفريق قطع الاقران والوصل التي كانت بينهم وبين الشركاء في الدنيا. وقيل: التفريق الجسماني وظاهر النظم الجليل لا يساعده، والعطف على * (نقول) * وإيثار صيغة الماضي للدلالة على التحقق لزيادة التوبيخ والتحسير، والفاء الدلالة على وقوع التزييل ومبادية عقيب الخطاب من غير مهملة إيذانا بكمال رخاوة ما بين الفريقين من العلاقة والوصلة، وقوله سبحانه: * (وقال شركاؤهم) * عطف على ما قبله، وجوز أن يكون في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها على الخلاف، والإضافة باعتبار أن الكفار هم الذين اتخذوهم شركاء لله سبحانه وتعالى:
وقيل: لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فصيروهم شركاء لأنفسهم في ذلك، والمراد بهؤلاء الشركاء قيل: الأصنام فإن أهل مكة إنما كانوا يعبدونها وهم المعنيون بأكثر هذه الآيات، ونسبة القول لها غير بعيد من قدرته سبحانه فينطقها الله الذي أنطق كل شيء في ذلك الموقف فتقول لهم * (ما كنتم إيانا تعبدون) * والمراد من ذلك تبريهم من عبادتهم وأنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم الداعية لهم وما أعظم هذا مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها منهم. وقيل: المراد بهم الملائكة والمسيح عليهم السلام لقوله تعالى: * (ويوم يحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء اياكم كانوا يعبدون) * (سبأ: 40) وقوله سبحانه: * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين) * (المائدة: 116) الآية، والمراد من ذلك القول ما أريد منه أولا أيضا لأن نفي العبادة لا يصح لثبوتها في الواقع والكذب لا يقع في القيامة ممن كان، وقيل: إن قول الشركاء مجرى على حقيقته بناء على أن ذلك الموقف موقف الدهشة والحيرة فذلك الكذب يكون جاريا مجرى كذب الصبيان والمجانين المدهوشين، ويمكن أن
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»