في يده فلأجدنه عفوا كريما قال فجاء فأسلم ". وفي رواية ابن سعد عن أبي مليكة " أن عكرمة لما ركب السفينة وأخذتهم الريح فجعلوا يدعون الله تعالى ويوحدونه قال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله تعالى قال: فهذا له محمد صلى الله عليه وسلم الذي يدعونا إليه فارجعوا بنا فرجع. وأسلم ". وظاهر الآية أنه ليس المراد تخصيص الدعاء فقط به سبحانه بل تخصيص العبادة به تعالى أيضا لأنهم بمجرد ذلك لا يكونون مخلصين له الدين.
وأيا ما كان فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع ولا يرى ولا يسمع فمنهم من يدعو الخضر والياس ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة ولا ترى فيهم أحدا يخص مولاه بتضرعه ودعاه ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال فبالله تعالى عليك قل لي أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلا وأي الداعيين أقوم قيلا؟ وإلى الله تعالى المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة وتلاطمت أمواج الضلالة وخرقت سفينة الشريعة واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف، هذا وقوله تعالى: * (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) * في محل نصب بقول مقدر عند البصريين وهو حال من الضمير السابق، ومذهب الكوفيين إجراء الدعاء مجرى القول لأنه من أنواعه وجعل الجملة محكية به والأول هو الأولى هنا، واللام موطئة لقسم مقدر و * (لنكونن) * جوابه.
والمشار إليه بهذه الحال التي هم فيها أي والله لئن أنجيتنا مما نحن فيه من الشدة لنكونن البتة بعد ذلك أبدا شاكرين لنعمك التي من جملتها هذه النعمة المسؤولة، والعدول عن لنشكرن إلى ما فيي النظم الجليل للمبالغة في الدلالة على الثبوت في الشكر والمثابرة عليه.
* (فلمآ أنجاهم إذا هم يبغون فى الارض بغير الحق ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحيواة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) * * (فلما أنجاهم) * مما نزل بهم من الشدة والكربة، والفاء للدلالة على سرعة الإجابة * (إذا هم يبغون في الأرض) * أي فاجأوا الفساد فيها وسارعوا إليه مترامين في ذلك ممعنين فيه من قولهم: بغى الجرح إذا ترامى في الفساد، وزيادة * (في الأرض) * للدلالة على شمول بغيهم لأقطارها، وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار، وقوله سبحانه وتعالى: * (بغير الحق) * تأكيدا لما يفيده البغي إذ معناه أنه بغير الحق عندهم أيضا بأن يكون ظلما ظاهرا لا يخفى قبحه على كل أحد كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى: * (ويقتلون النبيين بغير الحق) * (البقرة: 61).
وقد فسر البغي بإفساد صورة الشيء وإتلاف منفعته وجعل * (بغير الحق) * للاحتراز مما يكون من ذلك بحق كتخريب الغزاة ديار الكفرة وقطع أشجارهم وحرق زروعهم كما فعل صلى الله عليه وسلم ببني قريظة.
وتعقب بأنه مما لا يساعده النظم الكريم لأن البغي بالمعنى الأول هو اللائق بحال المفسدين فينبغي بناء الكلام عليه. والزمخشري اختار كون ذلك للاحتراز عما ذكر. وذكر في " الكشف " أنه أشار بذلك إلى أن الفساد اللغوي خروج الشيء من الانتفاع فلا كل بغى - أي فساد في الأرض واستطالة فيها - كذلك كما علمت وإن كان موضوعه العرفي للاستطالة بغير حق لكن النظر إلى موضوعه الأصلي، وقيل: إن البغي الذي يتعدى بفي بمعنى الإتلاف والإفساد وهو يكون حقا وغيره والذي يتعدى بعلى بمعنى الظلم، وتقييد الأول بغير