تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٤٥
الله تعالى عليه وسلم أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلى علي فأنزل الله تعالى توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت محسنة في شأني معينة في أمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة تيب علي كعب بن مالك قالت: أفلا أرسل إليه أبشره؟ قال إذا تحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل حتى إذا صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله تعالى علينا ".
هذا وفي وصفه سبحانه هؤلاء بما وصفهم به دلالة وأية دلالة على قوة إيمانهم وصدق توبتهم، وعن أبي بكر الوارق أنه سئل عن التوبة النصوح فقال: أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه.
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الص‍ادقين) * * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) * فيما لا يرضاه * (وكونوا مع الصادقين) * أي مثلهم في صدقهم: وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ * (وكونوا من الصادقين) * وكذا روى البيهقي وغيره عن ابن مسعود أنه كان يقرأ كذلك، والخطاب قيل: لمن آمن من أهل الكتاب وروي ذلك عن ابن عباس فيكون المراد بالصادقين الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله تعالى ورسوله الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة: وجوز أن يكون عاما لهم ولغيرهم فيكون المراد بالصادقين الذين صدقوا في الدين نية وقولا وعملا، وأن يكون خاصا بمن تخلف وربط نفسه بالسوارى، فالمناسب أن يراد بالصادقين الثلاثة أي كونوا مثلهم في الصدق وخلوص النية. وأخرج ابن المنذر. وابن جرير عن نافع أن الآية نزلت في الثلاثة الذين خلفوا، والمراد بالصادقين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبذلك فسره ابن عمر كما أخرجه ابن أبي حاتم. وغيره، وعن عسيد بن جبير أن المراد كونوا مع أبي بكر. وعمر رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج ابن عساكر. وآخرون عن الضحاك أنه قال: أمروا أن يكونوا مع أبي بكر. وعمر. وأصحابهما.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس. وابن عساكر عن أبي جعفر أن المراد كونوا مع علي كرم الله تعالى وجهه. وبهذا استدل بعض الشيعة على أحقيته كرم الله تعالى وجهه بالخلافة، وفساده على فرض صحة الرواية ظاهر. وعن السدى أنه فسر ذلك بالثلاثة ولم يتعرض للخطاب، والظاهر عموم الخطاب ويندرج فيه التائبون اندراجا أوليا، وكذا عموم مفعول * (اتقوا) * ويدخل فيه المعاملة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المغازي دخولا أوليا أيضا، وكذا عموم * (الصادقين) * ويراد بهم ما تقدم على احتمال عموم الخطاب.
وفي الآية ما لا يخفى من مدح الصدق، واستدل بها كما قال الجلال السيوطي من لم يبح الكذب في موضع من المواضع لا تصريحا ولا تعريضا. وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيته شيئا ثم لا ينجزه وتلا الآية، والأحاديث في ذمه أكثر من أن تحصى، والحق أباحته في مواضع. فقد أخرج ابن أبي شيبة. وأحمد عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب أو اصلاح بين اثنين أو رجل يحدث امرأته ليرضيها "، وكذا إباحة المعاريض. فقد أخرج ابن عدي عن عمران بن حصين قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ".
* (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذالك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فى سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين) * * (ما كان) * أي ما صح ولا استقام * (لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب) * كمزينة. وجهينة.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»