فإن له مزية عليهم بما كان يصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من محاسن الأفعال، وقد روى نفع ذلك له في الآخرة أفلا ينفعه في الدنيا في الكف عنه وعدم معاملته معاملة غيره من الكفار. فعن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد ذكر عنده عمه: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار " وجاء في رواية أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمك أيا طالب كان يحوطك وينصرك فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح من نار. وسبه عندي مذموم جدا لا سيما إذا كان فيه إيذاء لبعض العلويين إذ قد ورد " لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات - ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه ".
وزعم بعضهم أن الآية. نزلت في غير ذلك. فقد أخرج البيهقي في الدلائل. وغيره عن ابن سمعود قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فصلى ركعتين فقام إليه عمر فدعاه ثم دعانا فقال: إليه عمر فدعاه ثم دعانا فقال: ما أبكاكم؟ قلنا: بكينا لبكائك قال: إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي وأنزل على * (ما كان للنبي) * الخ فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذاك الذي أبكاني " ولا يخفى أن الصحيح في سبب النزول هو الأول. نعم خبر الاستئذان في الاستغفار لأمه عليه الصلاة والسلام وعدم الاذن جاء في رواية صحيحة لكن ليس فيها أن ذلك سبب النزول. فقد أخرج مسلم. وأحمد. وأبو داود. وابن ماجه. والنسائي عن أبي هريرة قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال عليه الصلاة والسلام: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فانها تذكركم الموت " واستدل بعضهم بهذا الخبر ونحوه على أن أمه عليه الصلاة والسلام ممن لا يستغفر له، وفي ذلك نزاع شهير بين العلماء، ولعل النوبة تفضي إلى تحقيق الحق فيه إن شاء الله تعالى.
* (وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدهآ إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) * * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) * آزر بقوله * (واغفر لأبي) * أي بأن توفقه للإيمان وتهديه إليه كام يلوح به تعليله بقوله: * (إنه كان من الضالين) * (الشعراء: 86) والجملة استئناف لتقرير ما سبق ودفع ما يتراءى بحسب الظاهر من المخالفة، وأخرج أبو الشيخ. وابن عساكر من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: لما مات أبو طالب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله وغفر لك لا أزال استغفر لك حتى ينهاني الله تعالى فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون فأنزل الله تعالى * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (التوبة: 113) الآية فقالوا: قد استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل سبحانه * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) * * (إلا عن موعدة) * وقرأ طلحة * (وما استغفر) * وعنه * (وما يستغفر) * على حكاية الحال الماضية لا أن الاستغفار سوف يقع بعد يوم القيامة كما يتوهم مما سيأتي إن شاء الله تعالى، والاستثناء مفرغ من أعم العلل أي لم يكن استغفاره عليه السلام لأبيه ناشئا عن شيء من الأشياء إلا عن موعدة * (وعدها) * أي إبراهيم عليه السلام * (إياه) * أي أباه بقوله: * (لأستغفرن لك) *، وقوله: * (سأستغفر لك ربي) * فالوعد كان من إبراهيم عليه السلام. ويدل على ذلك ما روي عن الحسن. وحماد الرواية. وابن السميقع. وابن نهيك. ومعاذ القارىء أنهم قرأوا * (وعدها أباه) * بالموحدة، وعد ذلك أحد الأحرف الثلاث التي صحفها ابن المقفع في القرآن مما