فقيها يعينك؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بدينه المداوم على عبادة ربه الورع الكاف عن إعراض المسلمين العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم، ولم يقل في جميع ذلك الحافظ لفروع الفتاوى اه وهو من الحسن بمكان، لكن الشائع إطلاق الفقيه على من يحفظ الفروع مطلقا سواء كانت بدلائلها أم لا كما في التحرير. وفي " البحر " عن المنتقى ما يوافقه، واعتبر في القنية الحفظ مع الأدلة فلا يدخل في الوصية للفقهاء من حفظ بلا دليل. وعن أبي جعفر أنه قال: الفقيه عندنا من بلغ في الفقه الغاية القصوى، وليس المتفقه بفقيه وليس له من الوصية نصيب، والظاهر أن المعتبر في الوصية ونحوها العرف وهو الذي يقتضيه كلام كثير من أصحابنا، وذكر غير واحد أن تخصيص الإنذار بالذكر لأنه الأهم وإلا فالمقصود الإرشاد الشامل لتعليم السنن والآداب والواجبات والمباحات والإنذار أخص منه، ودعوى أنهما متلازمان وذكر أحدهما مغن عن الآخر غفلة أو تغافل، وذهب كثير من الناس إلى أن المراد من النفر النفر والخروج لطلب العلم فالآية ليست متعلقة بما قبلها من أمر الجهاد بل لما بين سبحانه وجوب الهجرة والجهاد وكل منهما سفر لعبادة فبعدما فضل الجهاد ذكر السفر الآخر وهو الهجرة لطلب العلم فضمير يتفقهوا وينذروا للطائفة المذكورة وهي النافرة وهو الذي يقتضيه كلام مجاهد. فقد أخرج عنه ابن جرير. وابن المنذر. وغيرهما أنه قال: إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية * (وما كان المؤمنون) * الخ أي لولا خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير ليتفقهوا في الدين وليسمعوا ما أنزل ولينذروا الناس إذا رجعوا إليهم.
وستدل بذلك على أن التفقه في الدين من فروض الكفاية. وما في كشف الحجاب عن أبي سعيد " طلب العلم فريضة على كل مسلم " على تضعيف الصغاني له ليس المراد من العلم فيه إلا ما يتوقف عليه آداء الفرائض ولا شك في أن تعلمه فرض على كل مسلم. وذكر بعضهم أن في الآية دلالة على أن خبر الآحاد حجة لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر قومها كي يتذكروا ويحذروا فلو لم يعتبر الإخبار ما لم تتواتر لم يفد ذلك، وقرر بعضهم وجه الدلالة بأمرين. الأول أنه تعالى أمر الطائفة بالإنذار وهو يقتضي فعل المأمور به وإلا لم يكن إنذارا. والثاني أمره سبحانه القوم بالحذر عند الإنذار لأن معنى قوله تعالى: * (لعلهم يحذرون) * ليحذروا وذلك أيضا يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد، وهذه الدلالة قائمة على أي تفسير شئت من التفسيرين، ولا يتوقف الاستدلال بالآية على ما ذكر على صدق الطائفة على الواحد الذي هو مبدأ الإعداد بل يكفي فيه صدقها على ما لم يبلغ حد التواوتر وإن كان ثلاثة فأكثر، وكذا لا يتوقف على أن لا يكون الترجي من المنذرين بل يكون من الله سبحانه ويراد منه الطلب مجازا كما لا يخفى.
* (ياأيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) * * (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * أي الذين يقربون منكم قربا مكانيا وخص الأمر به مع قوله سبحانه في أول السورة: * (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (التوبة: 5) ونحوه قيل: لأنه من المعلوم أنه لا يمكن