تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢١٠
وقيل: إنه كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي فنزلت، وأخرج ابن جرير، وغيره عن عبد الله بن شداد أنها نزلت في المنافقين كان أحدهم إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وتغشى لئلا يراه، وهو في معنى ما تقدم عن أبي حيان إلا أن فيه بعض الكفار دون المنافقين، فلا يرد عليه ما أورد على هذا من أن الآية مكية والنفاق إنما حدث بالمدينة فكيف يتسنى القول بأنها نزلت في المنافقين؟ وقد أجيب عن ذلك بأنه ليس المراد بالنفاق ظاهره بل ما كان يصدر من بعض المشركين الذين كان لهم مداراة تشبه النفاق، وقد يقال: إن حديث حدوث النفاق بالمدينة ليس إلا غير مسلم بل ظهوره إنما كان فيها والامتياز إلى ثلاث طوائف، ثم لو سلم فلا إشكال بل يكون على أسلوب قوله سبحانه: * (كما أنزلنا على المقتسمين) * إذا فسر باليهود ويراد به ما جرى على بني قريظة فإنه إخبار عما سيقع، وجعله كالواقع لتحققه وهو من الإعجاز لأنه وقع كذلك فكذا ما نحن فيه. نعم الثابت في " صحيح البخاري ". وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم. وابن مردويه من طريق محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس يقرأ الآية فسأله عنها فقال: أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم، وليس في الروايات السابقة ما يكافىء هذه الرواية في الصحة، وأمر * (يثنون) * عليها ظاهر خلا أنه إذا كان المراد بالأناس جماعة من المسلمين كما صرح به الجلال السيوطي أشكل الأمر، وذلك لأن الظاهر من حال المسلم إذا استحيا من ربه سبحانه فلم يكشف عورته مثلا في خلوة كان مقصوده مجرد إظهار الأدب مع الله تعالى مع علمه بأنه جل شأنه لا يحجب بصره حاجب ولا يمنع علمه شيء ومثل هذا الحياء أمر لا يكاد يذمه أحد بل في الآثار ما هو صريح في الأمر به وهو شعار كثير من كبار الأمة، والقول بأن استحياء أولئك المسلمين كان مقرونا بالجهل بصفاته عز وجل فظنوا أن الثني يحجب عن الله سبحانه فرد عليهم بما رد لا أظنك تقبله؛ وبالجملة الأمر على هذه الرواية لا يخلو عن إشكال ولا يكاد يندفع بسلامة الأمر، والذي يقتضيه السياق ويستدعيه ربط الآيات كون الآية في المشركين حسبما تقدم فتدبر والله تعالى أعلم.
وقرأ الحبر رضي الله تعالى عنه. ومجاهد. وغيرهما * (تثنوني) * بالتاء لتأنيث الجمع وبالياء التحتية لأن التأنيث غير حقيقي، وهو مضارع اثنوني كاحلولي فوزنه تفعوعل بتكرير العين وهو من أبنية المزيد الموضوعة للمبالغة لأنه يقال حلي فإذا أريد المبالغة قيل احلولي وهو لازم - فصدورهم - فاعله، ويراد منه ما أريد من المعاني في قراءة الجمهور إلا أن المبالغة ملحوظة في ذلك فيقال: المعنى مثلا تنحرف صدورهم انحرافا بليغا. وعن الحبر أيضا. وعروة. وغيرهما أنهم قرأوا * (تثنون) * بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الثاء وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون الأخيرة، والأصل تثنونن بوزن تفعوعل من الثن بكسر الثاء وتشديد النون وهو ما هش وضعف من الكلأ أنشد أبو زيد:
يا أيها المفضل المعني * إنك ريان فصمت عنيتكفي اللقوح أكلة من وثن ولزم الإدغام لتكرير العين إذا كان غير ملحق و * (صدورهم) * على هذه مرفوع أيضا على الفاعلية، والمعنى على وصف قلوبهم بالسخافة والضعف كذلك النبت الضعيف، فالصدور مجاز عما فيها من القلوب، وجوز أن يكون مطاوع ثناه فإنه يقال: ثناه فانثنى وائتوني كما صرح به ابن مالك في التسهيل فقال: وافعوعل للمبالغة وقد يوافق استفعل ويطاوع فعل ومثلوه بهذا الفعل، فالمعنى أن صدورهم قبلت الثني ويؤول إلى معنى انحرفت
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 » »»