تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢٠٥
أخذه من أحكام البناء نظرا إلى التركب البالغ حد الإعجاز. أو من الأحكام جعلها حكيمة. أو جعلها ذات حكمة فيفيد معنى المنع من الفساد، وللتفصيل أربعة. جعلها كالقلائد المفصلة بالفرائد لما فيها من دلائل التوحيد وأخواتها، وجعلها فصولا سورة سورة وآية آية. وتفريقها في التنزيل. وتفصيل ما يحتاج إليه العباد وبيانه فيها روي هذا عن مجاهد، وقال: إن معنى * (ثم) * ليس التراخي في الوقت ولكن في الحال كما تقول هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل، وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
والظاهر أنه أراد أنها في جميع الاحتمالات كذلك، وفيه أيضا أنه إذا أريد بالإحكام أحد الأولين وبالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبي لأن الأحكام بالمعنى الأول راجع إلى اللفظ والتفصيل إلى المعنى، وبالمعنى الثاني وإن كان معنويا لكن التفصيل اكمال لما فيه من الإجمال، وان أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأن الأحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها وجعلها فصولا بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأن كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصفة وهذا تراخ وجودي، ولما كان الكلام من السائلات كان زمانيا أيضا، ولكن الزمخشري آثر التراخي في الحال مطلقا حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع وليظهر وجه العدول من الفاء إلى ثم، وإن أريد الثالث وبالتفصيل أحد الطرفين فرتبي وإلا فأخباري، والأحسن أن يراد بالأحكام الأول وبالتفصيل أحد الطرفين وعليه ينطبق المطابقة بين * (حيكم) * ودخبير) * و * (احكمت) * و * (فصلت) * ثم قال: ومنه ظهر أن التراخي في الحال يشمل التراخي الرتبي والأخباري انتهى فليتأمل، وقرىء * (أحكمت) * بالبناء للفاعل المتكلم و * (فصلت) * بفتحتين مع التخفيف وروي هذا عن ابن كثير، والمعنى ثم فرقت بين الحق والباطل، وقيل: * (فصلت) * هنا مثلها في قوله تعالى: * (ولما فصلت العير) * (يوسف: 94) أي انفصلت وصدرت * (من لدن حكيم خبير) * صفة لكتاب وصف بها بعد ما وصف بأحكام آياته وتفصيلها الداليت على علو مرتبته من حيث الذات إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة أو خبر ثان للمبتدأ الملفوظ أو المقدر أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى أي من عنده أحكامها وتفصيلها واختار هذا في الكشف. وفي الكشاف أن فيه طباقا حسنا لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور ففي الآية اللف والنشر، وأصل الكلام على ما قال الطيبي: أحكم آياته الحكيم وفصلت الخبير ثم عدل عنه إلى أحكمت حكيم وفصلت خبير على حد قوله تعالى: * (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) * (النور: 36) على قراءة البناء للمفعول، وقوله:
لبيك يزيد ضارع لخصومة * ومختبط مما تطيح الطوائح ثم إلى ما في النظم الجليل لما في الكناية من الحسن مع إفادة التعظيم البالغ الذي لا يصل إلى كنهه وصف الواصف لا سيما وقد جيء بالاسمين الجليلين منكرين بالتنكير التفخيمي، و * (لدن) * من الظروف المبنية وهي لأول غاية زمان أو مكان، والراد هنا الأخير مجازا، وينبت لشبهها بالحرف في لزومها استعمالا واحدا وهي كونها مبدأ غاية وامتناع الأخبار بها وعنها ولا يينى عليها المبتدأ بخلاف عند و - لدي - فانهما لا يلزمان استعمالا واحدا بل يكونان لابتداء الغاية وغيرها ويبنى عليهما المبتدأ كما في قوله سبحانه: * (وعنده مفاتح الغيب) * (الأنعام: 59) * (ولدينا مزيد) * (ق: 35) قيل: ولقوة شبهها بالحرف وخروجها عن نظائرها لا تعرب إذا أضيفت. نعم جاء عن قيس اعرابها تشبيها
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»