آخر ما في خبر عمر، وفي بعضها الاقتصار على " شيبتني هود وأخواتها "، وفي بعض آخر بزيادة " وما فعل بالأمم من قبلي " وقد أخرج ذلك ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما مرفوعا.
وأخرج ابن مردويه. وغيره عن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه: أسرع إليك الشيب فقال: شيبتنب هود وأخواتها من المفصل والواقعة " وكل ذلك يدل على خطرها وعظم ما اشتملت عليه وأشارت إليه وهو الذي صار سببا لاسراع الشيب إليه صلى الله عليه وسلم، وفسره بعضهم بذكر يوم القيامة وقصص الأمم ويشهد له بعض الآثار. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي علي الشترى قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: فقلت يا رسول الله روي عنك أنك قلت: " شيبتني هود " قال: نعم. فقلت: ما الذي شيبك منها قصص الأنبياء عليهم السلام وهلاك الأمم؟ قال: لا ولكن قوله تعالى: * (فاستقم كما أمرت) * (هود: 112) وهذا هو الذي اعتمد عليه بعض السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وبينه بما بينه، والحق أن الذي شيبه صلى الله عليه وسلم ما تضمنته هذه السورة أعم من هذا الأمر وغيره مما عظم أمره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضى علمه الجليل ومقامه الرفيع، وهذا هو المنقدح لذهن السامع ولذلك لم يسأله صلى الله عليه وسلمأصحابه عما شيبه منها ومن أخواتها بل اكتفوا بما يتبادر من أمثال ذلك الكلام.
ودعوى أن المتبادر لهم رضي الله تعالى عنهم ما خفي على أبي علي فلذلك لم يسألوا على تقدير تسليمها يبقى أنهم لم لم يسألوا عما شيبه عليه الصلاة والسلام من الأخوات مع أنه ليس فيها إلا ذكر يوم القيامة وهلاك الأمم دون ذلك الأمر؟ وكونهم علموا أن المشيب فيها ذلك وفي اخواتها شيء آخر هو ذكر يوم القيامة وهلاك الأمم يأباه ما في خبر أبي علي من نفيه صلى الله عليه وسلم، وكون ما ذكر مشيبا مفهوما من سورة دون أخرى لا يخفى حاله، وبالجملة لا ينبغي التعويل على هذه الرواية وإن سلم أنها صحت عن أبي علي، واتهام الرائي بعدم الحفظ أو بعدم تحقيق المرئي أهون من القول بصحة الرؤية والتكلف لتوجيه ما فيها، وسيأتي في آخر السورة إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام فليفهم.
* (الر كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) * * (بسم الله الرحمان الرحيم الر) * اسم للسورة على ما ذهب إليه الخليل. وسيبويه. وغيرهما أو للقرآن على ما روي عن الكلبي. والسدى، وقيل: إنها إشارة إلى اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته سبحانه، وقيل: هي إقسام منه تعالى بما هو من أصول اللغات ومبادي كتبه المنزلة ومباني أسمائه الكريمة، وقايل وقيل، وقد تقدم الكلام فيما ينفعك هنا على أتم تفصيل، واختار غير واحد من المتأخرين كونها اسما للسورة وأنها خبر مبتدأ محذوف أي هذه السورة مسماة - بالر - وقيل: محلها الرفع على الابتداء أو النصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو اذكر أو اقرأ، وقوله سبحانه: * (كتاب) * خبر لها على تقدير ابتدائيتها أو لمبتدأ محذوف على غيره من الوجوه، والتنوين فيه للتعظيم أي كتاب عظيم الشأن جليل القدر * (أحكمت ءاياته) * أي نظمت نظما محكما لا يطرأ عليه اختلال فلا يكون فيه تناقض أو مخالفة للواقع والحكمة أو شيء مما يخل بفصاحته وبلاغته فالأحكام مستعار من إحكام البناء بمعنى اتقانه أو منعت من النسخ لبعضها أو لكلها بكتاب آخر كما وقع للكتب السالفة فالأحكام من أحكمه إذا منعه؛ ويقال: أحكمت السفيه إذا منعته من السفاهة، ومنه قول جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم إن أغضبا