بعند وعلى ذلك خرجت قراءة عاصم * (بأسا شديدا من لدنه) * (الكهف: 2) بالجر واشمام الدال الساكنة الضم واقترانها بمن كما في الآية، وكذا إضافتها إلى مفرد كيفما كان هو الغالب وقد تتجرد عن - من - وقد تضاف إلى جملة اسمية كقوله: وتذكر نعماه لدن أنت يافع وفعلية كقوله:
صريح غوان راقهن ورقنه * لدن شب حتى شاب سود الذوائب ومنع ابن الدهان من إضافتها إلى الجملة وأول ما ورد من ذلك على تقدير أن المصدرية بدليل ظهورها معها في قوله: وليت فلم تقطع لدن ان وليتنا * قرابة ذي قربى ولاحق مسلم ولا يخفى ما في التزام ذلك من التكلف لا سيما في مثل - لدن أنت يافع - وتتمحض للزمان إذا أضيفت إلى الجملة، وجاء نصب غدوة بعدها في قوله: لدن غدوة حتى دنت لغروب وخرج على التمييز، وحكى الكوفيون رفعها بعدها وخرج على إضماء كان، وفيها ثمان لغات. فمنهم من يقول * (لدن) * بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وهي اللغة المشهورة، وتخفف بحذف الضمة كما في عضد وحينئذ يتلقى ساكنان. فمنهم من يحذف النون لذلك فيبقى - لد - بفتح اللام وسكون الدال. ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال فتحا فيقول * (لدن) * بفتح اللام والدال وسكون النون. ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال كسرا فيقول * (لدن) * بفتح اللام وكسر الدال وسكون النون ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول * (لدن) * بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون، وقد يخفف بنقل ضمة الدال إلى اللام كما يقال في عضد عضد بضم العين وسكون الضاد على قلة، وحينئذ يلتقي ساكنان أيضا. فمنهم من يحذف النون لذلك فيقول - لد - بضم اللام وسكون الدال. ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول * (لدن) * بضم اللام وسكون الدال وكسر النون فهذه سبع لغات. وجاء - لد - بحذف نون * (لدن) * التي هي أم الجميع وبذلك تتم الثمانية، ويدل على أن أصل - لد - لدن إنك إذا أضفته لمضمر جئت بالنون فقتول: من لدنك ولا يجوز من - لدك - كما نبه عليه سيبويه، وذكر لها في همع الهوامع عشر لغات ما عدا اللغة القيسية فليراجع.
* (ألا تعبدوا إلا الله إننى لكم منه نذير وبشير) * * (ألا تعبدوا إلا الله) * في موضع العلة للفعلين السابقين على جعل * (أن) * مصدرية وتقدير اللام معها كأنه قيل: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله أي لتتركوا عبادة غيره عز وجل وتتمحضوا لعبادته سبحانه، فإن الأحكام والتفصيل مما يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد وما يتفرع عليه من الطاعات قاطبة. وجوز أن تكون مفسرة لما في التفصيل من معنى القول دون حروفه كأنه قيل: فصل وقال: لا تعبدوا إلا الله أو أمر أن لا تعبدوا إلا الله، وقيل: إن هذا كلام منقطع عما قبله غير متصل به اتصالا لفظيا بل هو ابتداء كلام قصد به الاغراء على التوحيد على لسانه صلى الله عليه وسلم و * (أن) * وما بعدها في حيز المفعول به لمقدر كأنه قيل: الزموا ترك عبادة غيره تعالى، واحتمال أن يكون ما قبل أيضا مفعولا به بتقدير قل أول الكلام خلاف الظاهر، ومثله احتمال كون * (أن) * والفعل في موقع المفعول المطلق، وقد صرح بعض المقحقين أن ذلك مما لا يحسن أو لا يجوز فلا ينبغي أن يلتفت إليه * (انني لكم منه نذير وبشير) * ضمير الغائب المجرور لله تعالى و * (من) * لابتداء الغاية، والجار والمجرور في الأصل صفة النكرة فلما قدم عليها صار حالا كما هو المعروف في أمثاله أي إني لكن من جهته تعالى نذير أنذركم عذابه أن لم تتركوا ما أنتم عليه من عبادة غيره سبحانه وبشير